الضوء وصداه ..؟! تلك هي الحياة، فيها زوايا مظلمة وأخرى مضيئة ، وكما أن العين لا تستطيع مجابهة المخرز ، كذلك هي لا تستطيع مقاومة النور المبهر ..

 

الجماهير / بقلم حميدي هلال

أمره عجيب ذلك الركن من بيتنا ، مرة يضيء فرحاً، وأخرى ينطفئ حزناً كمصباح الكاز ، أو كشمعة تلفظ أنفاسها ، تحس به كياناً من لحم ودم ، تنضح منه مشاعر إنسانية ، تتعاطف معنا في فرحنا وحزننا…
بيتنا الجميل.. تلك الغرفة الوحيدة التي تجمعنا بشخوصنا التسعة ، سقفها من خشب وصفيح معدني ، جدرانها متهالكة كعجوز تسعيني ، بابها خشبي يسري ضوء الشمس من بين شقوقه صيفاً ، وتعبر منه هبات الريح الباردة شتاء ، نجد فيه حياة أخرى بكل عوالمها وفصولها الأربعة .
لكن الغريب في الأمر ..
ما يحدث كل يوم من حالة عجيبة ومدهشة لم نجد لها تفسيراً علمياً ..
في المساء عندما يجن الليل ، تخيم العتمة على جميع زوايا بيتنا ، فتبدو موحشة ، ما عدا ذلك الركن ، الركن العجيب ، حيث يبدأ يشع منه ضوء خافت ، فيبدو كمشكاة فيها قنديل صغير ، لا يكاد ضوؤه على هشاشته أن يغطي تلك المساحة من الزاوية ، يشدنا إليه ويجذبنا بضوئه المغري كفراشات صغيرة ، ليؤنس ليلنا الطويل …
في النهار ، ومع إشراقة شمس الصباح و انبلاج فجر جديد ، يحدث العكس، و يزداد الأمر عجباً وغرابة ، جميع زوايا البيت التي كانت معتمة تبدأ تشرق بنورها ، إلا ذلك الركن الغريب ، تبدأ العتمة تتسلل إليه رويداً رويدا ، تلفه كحجاب فتاة عشرينية ، أشبه بآلهة الينبوع ، تخشى على جمالها ، أو ربما تخشى علينا من عدم القدرة على تحمل انبهار حسنها ، أو انبهار ضجيج النهار وصخبه ، تغطي جسدها بتلك العباءة السوداء المزركسة ، النور ينسكب من بين أصابعها ، تكاد تقول أقبلوا علي لأحتضن ما تبقى من أجسادكم المتعبة بعد ليل طويل ، لألفكم بسكون عباءتي ونغط في نوم عميق بعد طول سهر ، وأحجب عنكم مالا تستطيعون تحمله من أعباء النهار ومتاعبه ، أثقاله وأحماله وبهرجاته المزيفة ، هي ليست لكم ولا تليق بكم .
ننجذب إليها لا إراديا ، بعفوية طفل صغير يبحث عن حنان أمه التي افتقدها ، نحبو إليها ، نشعر بدفء المكان بين حناياها ، ونشم عطرها المنبعث من بين أكمامها ، نتحلق حول أنفسنا ، تتحسسنا كأم رؤوم ، تحتضننا بين ذراعيها ، تقربنا من بعضنا بحنان ، تربت على أكتافنا ، وتمسح على رؤوسنا ، ينبعث منها أنس وسكينة، نعكف على بعضنا تحت عباءتها ، ونكب على أنفسنا ، و كأننا نخط ذكرياتنا على جدران قلوبنا البائسة التي شوهتها تلك الحرب الملعونة ، نحفرها، ندونها ، لا نغادر منها لحظة ألم أو سعادة ، صغيرة أو كبيرة ، وشعور غامض محزن ينتابنا ، يطاردنا في كل لحظة ، يغض مضاجعنا ، ولا يكاد يفارق هواجسنا بقرب الرحيل ، أو اتساع المسافات التي ربما ستباعد بيننا يوماً ما ، بلا لقاء مرتقب ..!
رقم العدد ١٦٠٥٣

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
مشفى الشفاء يواصل إنجازاته الطبية النوعية ويقدّم خدمات إجراء تصوير الإيكو عبر المريء ورشة عمل في إدلب تؤكد على الشراكة المجتمعية لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد منتخب سورية لرفع الأثقال يخوض معسكراً تحضيرياً في حلب استعداداً لبطولات عربية وإقليمية ودولية في قطر اتحاد كرة القدم السوري يعلن تأجيل موعد انطلاق دوري الدرجة الأولى وزارة التعليم العالي: تمديد التسجيل للطلاب المنقطعين المتقدمين بطلباتهم ضمن المدة المحددة  وتقدموا إ... افتتح مدير منطقة معرة النعمان كفاح جعفر، ومعاون وزير النقل محمد رحال، دائرة النقل في مدينة معرة النع... وزارة التعليم العالي: تمديد مواعيد تسجيل الطلاب القدامى في الجامعات الحكومية السورية لغاية نهاية الد... وزارة التعليم العالي: تمديد مواعيد تغيير القيد ومواعيد التحويل المماثل والانتقال من الجامعات الحكومي... وزارة التعليم العالي: تسوية وضع طلاب جامعة حلب فرع إدلب المستضافين في الجامعات الأخرى وإعادة جميع ال... جانب من حركة القادمين إلى مطار حلب الدولي، في ظل استمرار تقديم التسهيلات اللازمة لضمان انسيابية الإج...