الظلم الواقع: بلاءٌ وغلاءٌ

 

الجماهير .. بقلم: الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة

إن حال مجتمعنا وما آلت إليه الأمور بين الناس يدعونا للتكافل ونبذ الظلم والطمع؛ وكثيرةٌ هي المحاضرات واللقاءات والخُطب والمقالات التي حضَّت التجّار ومالكي القرار الاقتصادي في البلد؛ حضَّتهم على الرحمة بالناس وعدم السير خلف الطمع والجشع واللامبالاة التي تزيد الأمور سوءً، وتزيد الأزمة تعقيداً، وتسكب على النار زيتاً.
البعض ممن يحملون في صدورهم خشية الله تعالى استجابوا لتلك النداءات؛ غير أن الكثير ممن دونهم كان لسان حالهم يُحدّثنا عن واقعٍ مُهينٍ لهم فيقول:
لقد أسمعتَ إذ ناديتَ حيّا
ولكن لا حياةَ لمن تنادي
وإذا كانت سمات الواقع السائد في هذه الأزمة هي: البلاء والغلاء والاستعلاء؛ فلا أقلَّ من أن نُذَكر بأن هذه السمات هي نفسها سماةُ الظلم، إذاً نحن نشهدُ واقعاً ظالماً ينبغي أن نحذِّر من التمادي في صناعته وننبِّه إلى ما ينتظرُ صانعيه من الويلات في الدنيا ثم في الآخرة.
والمتأمّل للبيان الإلهي في وصفه حالة الظلم البشري يتجسّد أمامه شريطٌ متكاملٌ من الصور القرآنية التي تحكي حال الظلم ومآل الظالمين؛ فنقرأ قوله تعالى مُخبراً:{والله لا يُحب الظالمين}[آل عمران:57]، وأن الظالمين ممنوعون من الهداية:{والله لا يهدي القوم الظالمين}[البقرة: 258]، وهم مُلقون في غياهب الضلال:{ويُضلُّ الله الظالمين ويفعلُ مايشاء}[إبراهيم:27]، وأنهم لن يفلحوا:{إنه لا يُفلِحُ الظالمون} [الأنعام:21]، ولن يزدادوا بظلمهم إلا خُسراناً:{ولا يزيدُ الظالمين إلا خسارا} [الإسراء:82]، وأنهم مطرودون من رحمة الله تعالى:{ألا لعنةُ الله على الظالمين}[هود:18]، لذلك فهم على موعدٍ مع العذاب الأليم:{ومن يظلم منكم نُذقه عذاباً كبيرا} [الفرقان:19]، ولن ينفعه أن يعضّ على يديه ندماً:{ ويوم يعضُّ الظالم على يديه يقولُ يا ليتني اتخذتُ مع الرسولِ سبيلاً}[الفرقان:27] وسيواليه ويُسانده في الدنيا من هو مثلُه:{وكذلك نولّي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون}[الأنعام:139]، غير أنه لن يجد أحداً يقف إلى جانبه أو ينصره يوم القيامة:{وما للظالمين من نصير}[فاطر:37] وسيُكللُ بالخُزي والخيبة:{وعَنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حملَ ظُلماً} [طه:111].
ثم نجد البيان القرآني يخاطب من لم تتلوّث نفوسهم بالظلم فيُحذّرهم:{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} [يونس:113] نار الفتنة في الدنيا ونار العذاب في الآخرة، ويُخبرُ سبحانه أن نار الفتنة إذا أُشعلت ستصيب المجتمع بكامله لذلك على الصالحين تجنبها:{واتقوا فتنةً لا تُصيبنَّ الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديدُ العقاب}[الأنفال:25]، ويُثلج اللهُ تعالى صدورَ المستضعفين في الأرض بإخبارهم بأنه يُحصي أعمال الظالمين ولا يُمكن أن يغفل عنهم وسوف ينالون عقوبتهم المناسبة:{لا تحسبنَّ اللهَ غافلاً عما يعمل الظالمين إنما يؤخرهم ليومٍ تشخصُ فيه الأبصار مُهطعين مُقنعي رؤوسهم لا يرتدُّ إليهم طرفهُم وأفئدنهم هواء}[إبراهيم42،43].
غير أن رحمة الله تعالى التي لا يُمكن أن يكون لها حدوداً تبعث الأمل في نفوس من أرادوا الإصلاح والتوبة عن ظلمهم فيقول:{فمن تاب عن ظلمهِ وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفورٌ رحيم}[المائدة:39]، ويقول أيضاً:{إلا من ظلم ثمَّ بدَّل حُسناً من بعدِ سوء فإني غفورٌ رحيم}[النمل:11].
فيامن ظلم الناس بأي طريقة من طُرُق الظلم الكثيرة عُدْ إلى الحقّ وتب إلى الله تعالى ومارس الإصلاح في أعمالك لتنجو في الدنيا والآخرة؛ وإلا فاعلم أن غضب الله تعالى عليك شديدٌ فقد رُوي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: (يقول الله تعالى: اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد له ناصرا غيري) رواه الطبراني.
وهذه صرخة للرحماء من أبناء وطننا نستعيرها من زفرات الشاعر إبراهيم طوقان حين قال:
وَاللَه لا يُرجى الخَلاص وَأَمرَكُم
فَوضى وَشَمل العاملين ممزقُ
أَينَ الصُفوف تَنَسّقَت فَكَأَنَّما
هِيَ حائط دون الهَوان وَخَندقُ
أَينَ الأَكُفُّ تَصافَحَت وَتَساجَلَت
تَبني وَتَصنع لِلخَلاص وَتُنْفِقُ
يا ربنا كن للمستضعفين، وارفع الظلم عن المظلومين، أعد الأمن والأمان والرخاء والاطمئنان إلى بلادنا يا أكرم الأكرمين.
رقم العدد ١٦٠٦٥

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار