الحاجة ماسة لفعل لخير

الجماهير.. بقلم: الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة

تحلى بفعل الخير تعلو بهمّةٍ
وتنجو من المكروه والضيمُ يُرفَعُ
ولا تمنع الخيرات عن كلِّ نسمةٍ
فمانعها في الذل يحيا ويقبَعُ
خلق الله تعالى الإنسان وجعل تصرفاته دائرةً في محور التكليف، فلا يوجد فعل إلا وهو واقع تحت مسمى الخير أو الشر فإن كان خيراً فيثاب صاحبه؛ وإن كان شراً فيعاقب كاسبه {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره}[الزلزلة].
وقد حضت سائر الديانات بما فيها الإسلام على فعل الخيرات؛ وإذا تأملنا البيان القرآني نجد أن الله تعالى يأمر بالتسابق في فعل الخير رغم اختلاف مناهج البشر فيقول: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا}[المائدة: 48] ويُخبر بأن فعل الخير سببٌ للفلاح فيقول:{ وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}[الحج: 77]، ويُخبر سبحانه أنه مطَّلعٌ على أفعالنا فقال:{وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا} [النساء: 127]، ثم بيّن أن فعل الخير هو الزاد للدار الآخرة فقال: {يوم تجد كل نفس ما عملت من خيرٍ مُحضراً} [آل عمران:30]، وأن فعل الخير لن يذهب سدى:{وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين} [آل عمران:115]
فعلى الإنسان أن يسعى دائماً لفعل الخير ينفع به الناس ويدفع عنهم الضرر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل). رواه مسلم.وقال صلى الله عليه وسلم: (الخلق عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله) رواه الطبراني.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه). رواه ابن ماجه وغيره.وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كل معروف صدقة ) متفق عليه.
وعلى العموم فإن أفعال الخير هي الأقرب إلى فطرة النفس البشرية التي فطر الله تعالى الناس عليها، لذا تخلق هذه الأفعال في أنفسنا شعوراً بالرضا؛ وبحسب بعض الدراسات العلمية التي تُعنى بتأثيرات الأفعال على جسم الإنسان وجمله العصبية؛ فإن فعل الخير يبدأ لدى بعض الناس منذ طفولتهم المبكرة، إذ يمكن لرضيع يتعلم المشي وهو ما يزال في شهره الرابع عشر من العمر أن يساعد شخصاً بالغا يحاول فتح باب ما ويده مشغولة.
وأثبتت تلك الدراسات أن أثر فعل الخير على المنظومة العصبية التي تتحرك بموجبها آليات الدماغ كبير ومفيد جداً، فحين نبيح لأنفسنا فعل الخير للآخرين فإننا نفتح في الحقيقة سبلا عصبية تنعش مشاعر الرضا في النفس فيتدفق هرمون “الأندورفينز” ليرفع من أداء الناقلات العصبية التي يحتاجها التفكير الذكي.
لنكن ممن يُقدم على فعل الخيرات في كل أوقاتنا بل لنعتاد على فعل الخيرات وذلك عبر تكراره حتى يصبح هذا الفعل جزء من حياتنا؛ عندها لن يمكننا تركه، وحتى إن حاولنا فسوف نشعر بالضيق والقلق وتأنيب الضمير، وإن نحن استطعنا أن نوطِّن أنفسنا على فعل الخير فسنجني ثماره العظيمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا مرض العبد أو سافر كُتِبَ له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً) رواه البخاري. وهذا يعني أن من كان يقوم بفعل الخير في الأحوال العادية ثم مرت به ظروف منعته، فإنه يُكتب له مثل ذلك العمل ويثاب عليه كما لو كان يفعله.
لذلك أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمن روعاتكم) رواه الطبراني.
قال تعالى {والعصر إن الإنسان لفي خُسر إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} .
فما أحرانا أمام الهجمة الهمجية على وطننا العظيم سورية أن نجعل فعل الخير عملنا اليومي كل من مكانه وقدر استطاعته.
اللهم اجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، وأكرمنا بفعل الصالحات وترك المنكرات وسلوك المبرّات يا رب العالمين.
رقم العدد 16094

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار