سحر الوظيفة الحكومية..!!

الجماهير/ بقلم حميدي هلال

دعونا نتفق على حقيقة أن جميع الدخول التي تأتي من الأعمال الحرة تزداد طرداً مع ازدياد الأسعار بدءاً من دخل سمان الحارة الذي يحافظ على هامش ربحه مهما ارتفعت الأسعار مروراً ببائع الخضار وصاحب البسطة وعامل البيتون والعتال الى مختلف فئات العمل الأخرى ، باستثناء راتب الوظيفة الحكومية الذي يراوح في مكانه ويزداد الجفاء بينه وبين الأسعار إلى درجة جنونية لا يمكن أن تقرأ لها مؤشراً ..!!
وحسب ذلك فإن جميع الموظفين في الدولة يكادون يتفقون على أن الرواتب والأجور الشهرية لا تكفيهم لأكثر من بضعة أيام في الشهر وعلى أكثر تقدير أسبوعاً منه ..!! فلماذا الاستمرار في الوظيفة الحكومية إذاً ..؟!
و لماذا لم نسمع أو نقرأ أن موظفاً مات من الجوع كنتيجة طبيعية لنفاد الراتب خلال الأيام الأولى من الشهر ..؟؟! أو آخر أعلن عبر الصفحات الزرقاء تقديم استقالته من الوظيفة الحكومية معللاً السبب بعدم كفاية الراتب .. !!
وعلى الضفة الأخرى يتعالى ” النق ” و النواح و العويل من قلة الراتب …!! وفي النقيض فإن مشهد طوابير الموظفين يتكرر كل شهر على أعتاب البنوك ، ما أن يعلن عن يوم صرف الرواتب…!!؟
أضف الى ذلك فإننا نرى التدفق والتدافع نحو الوظائف الحكومية بأعداد هائلة و تُكلَف الوساطات وغيرها للحصول على وظيفة عمومية بمجرد إعلان أي جهة عامة لمسابقة توظيف سواء للعمل بصفة دائمة أو موسمية مهما كانت طبيعة العمل أو نوعيته أو أجرته الشهرية أو اليومية…!!
ورغم قلة الوظيفة الحكومية في الظروف الحالية القائمة، إلا أن هناك إلحاحاً وبحثاً عنها رغم أنها لا تقدم الميزة المالية الفارقة والعالية التي تقارن بالوظيفة في القطاع الخاص، خاصة لأصحاب الشهادات العليا أو الجامعية…
إذن ما هو السر الخفي وراء ذلك الارتباط الوثيق بالوظيفة الحكومية رغم ” التعتير ” إلى درجة أن الكثير ممن يحالون على التقاعد يسعون إلى تمديد خدماتهم ولو إلى حين ..! مع الأخذ بعين الاعتبار أن الغالبية العظمى من الموظفين وأمام هزالة الراتب يلجؤون إلى العمل الإضافي في مهن متواضعة وبسيطة مثل بائع سحلب أو فلافل ومندوب مبيعات أو سائق تاكسي عمومي …الخ..
الكثير ممن باغتّهم بالسؤال عن أسباب التمسك بالوظيفة الحكومية رغم عدم كفاية الراتب ترددوا قليلاً كمن يفكر بالإجابة أو يبحث عن جواب مقنع لسؤال يبدو من السهل الممتنع ، فمنهم من اعتبر الوظيفة أماناً من الفقر والكثيرون يعتبرون أن ترك الوظيفة خيار وليس ضرورة ، وهناك من يعتبره انتحاراً مالياً وليس قراراً حكيماً .. وآخرون رأوا فيها استثماراً تجارياً من المراجعين على مبدأ ” دبر راسك ” .
في حين رآها البعض بمثابة العمل الإضافي لعمله الأصلي الذي يدر عليه شهرياً أضعاف الراتب وهي نوع من ” الوجاهة ” ، كما رأى فيها أحدهم ذخراً لغدرات الزمان وإن لم تنفع فلن تضر .
في المقابل اعتبر البعض أن الوظيفة الحكومية ليست عبودية ” وما حدا ضربك على إيدك ” فأنت تعمل وتأخذ أجرك بموجب عقد شروطه واضحة وأولها تحديد فئة الراتب وقد وقعت عليه بإرادتك دون إكراه ..!!
إذن…لا تزال مقولة المثل الشعبي الشهير ” إن فاتك الميري اتمرمغ في ترابه ” ثقافة تتكرس يوماً بعد آخر لما تعنيه الوظيفة العامة من الأمان والاستقرار المعيشي والمكانة الاجتماعية اللائقة بغض النظر عن مستوى الدخل الشهري ..ولن يعرف قيمة الوظيفة الحكومية إلا من يكابدها على مبدأ ” ضرب الحبيب زبيب “..!! .
رقم العدد 16104

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار