الجماهير- بيانكا ماضيّة
حين نفقد الأصدقاء والأوفياء من شرفاء هذا الوطن، نبحث فيما كان يجمعنا بهم، عدا القيم العليا، والرؤية المشتركة، ومحبة الوطن الذي يضمنا تحت سقفه، والذي ناضلنا ونناضل من أجل حريته واستقلاله ودحر الغزاة عنه، نبحث عما كان من ذكريات وأحاديث ودردشات، وغيرها مما كانت تنم عن مقومات وأفكار وطبائع خاصة بأولئك الأصدقاء الأوفياء.
بعد رحيل الدكتور بسام رجا المناضل الفلسطيني الذي فاجأنا خبر وفاته أمس، وحزننا لخسارة قامة مفكرة ووطنية إعلامية كبيرة مثله، رحت أبحث في (الماسنجر) عما كان من حديث بيني وبينه، إذ كنت أطلب منه في بعض الأحيان المشاركة في استطلاعات كنت أجريها، وعن دردشة قديمة جرت بيني وبينه تعود إلى العام 2013 سألني حينها عن الأوضاع في حلب، فأجبته: معارك ضارية، فقال: بس رح ننتصر!.. مع تكرار حرف النون لغير مرة..يومها أعلمني أنه ترك بيته قرب المخيم، بسبب سقوط قذيفة عليه، ولكن الأهم أن يبقى الوطن بخير.
نعم.. أن يبقى الوطن بخير، هذا مايريده كل شريف محب لوطنه، فإن كان الوطن بخير، فأبناؤه بخير..أما تكراره لحرف النون في مفردة (ننتصر) فهو إيمانه القطعي بحتمية انتصار هذا الوطن، فمهما اشتدت الحرب عليه من كل الجهات فإن هناك من يدافع عنه بالسلاح والكلمة، وكلاهما سلاح فتّاك ضد العدو الذي يحاربنا على غير صعيد.
كان يؤمن بأن قضية سورية، هي قضية فلسطين نفسها، وأنه مهما عظمت واشتدت الحرب فالنصر حليفنا، وأن التنازلات والتطبيع مهما تمدد- كما جاء في بيان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي نعته من خلاله- لا يمكن أن تبدل من حتمية تحرير فلسطين من بحرها إلى نهرها.
منذ بداية الحرب تكشفت مواقف الجميع، فكل امرئ اتخذ موقفاً مما يحصل من حرب على سورية، وراح على إثره ينشر أفكاره وموقفه ذاك، غيّر هيّاب، أكان في الموقف الوطني، أم في الموقف الخائن، ومنذ البداية تبيّن من هو الوطني الأصيل ومن هو الخائن الدخيل.
الدكتور بسام رجا كان من أولئك الذين شحذوا أقلامهم للدفاع عن سورية، وشحذوا فكرهم للتصدي لهذه المؤامرة فهو من القامات الثقافية والإعلامية والسياسية الفلسطينية والعربية وأحد رموزها الفاعلة في إطار معركة الوعي ضد العدو الذي لاينثني عن محاولات تضليله وتزييفه الحقائق التاريخية.
برحيل الدكتور بسام رجا، خسارة كبرى لنا في صراعنا مع العدو، ولكن من يحمل فكر وثقافة الدكتور رجا نفسها لن يثنيه هذا الرحيل عن متابعة مسيرة النضال حتى تحقيق آخر شبر من أراضينا المحتلة، فبالفكر والنضال تسترجع الحقوق المغتصبة.
رحم الله د. بسام رجا، خسرناه قبل إعلان النصر النهائي الذي كان ينتظره على أحر من الجمر، وقبل أن يفرح فرحه الكبير بهذا الانتصار المرتقب، وهو الذي لطالما ألقى علينا تحيته المسائية المتحديّة: “مساؤكم بلاغزاة”..
مساؤنا سيكون بلا غزاة حتماً ذات يوم، وسننتصر نصراً مدوياً على أعدائنا.
رقم العدد ١٦١٧٨