الجماهير .. بقلم: الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
في ظلال ما نعيش فيه في وطننا من حصارٍ ظالمٍ من قوى الشر والاستعلاء، كان لا بدّ لنا أن نذكر أنفسنا بقيمةٍ عظيمةٍ وخلقٍ رفيعٍ لا يمكن للحياة أن تستمر بدونه إنه الصبر .. الصبر الذي نوقدُ شُعلة الأمل لنضيء ظلام اليأس في نفوسنا، والذي يحمل في تفاصيله البُشرى والأمل قال:(وبشر الصابرين)، وإن الابتلاء والامتحان والشدائد أمور لا يمكن أن يسلم منها أحد من الخلق، والإنسان العاقل مَن يصبر ويتحمل تلك الابتلاءات، فبالصّبر يظهر الشقِيُّ من عباد الله من السّعيد، ويظهر الشّاكر لله على كلّ حالٍ ممّن يكفر بالله إذا أصابته مصيبة، يقول ربّنا تبارك وتعالى في سورة الإنسان: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرا*إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا).
ولقد وعد الله تعالى الصّابرين بعظيم الأجر، ويظهر أثر الصّبر على العبد في الدّنيا قبل الآخرة؛ فيعوّضه الله بما هو خير له، فيوسّع له في رزقه، ويجعل له بركةً في كلِّ شيء، وينقله من البلاء إلى الرخاء ومن الشّقاء إلى العطاء. وقد ورد أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرَّ بامرأةٍ تبكي عند قبرٍ، فقال: اتَّقي اللهَ واصبري، قالت: إليكَ عَنِّي، فإنكَ لم تُصَبْ بمصيبتي، ولم تعرفْهُ، فقيل لها: إنَّهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فأتَت باب النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فلم تجد عندَهْ بوَّابِينَ، فقالت: لم أعرِفْكَ، فقال: إنّما الصّبرُ عند الصّدمةِ الأولى) رواه البخاري،وقد دلَّ هذا الحديث على عِظَم أجر الصّابرين، وأنّ الصّبر إنّما يكون عند حصول الصّدمة لا بعد الضّجر منها.
وكتذكير وسلوى أُذكر بعضاً مما ينتظر أهل الصبر على الشدائد من فضائل ومكافآت حيث يُشكّلُ الصّبر أوسع أبواب المحو وتكفير الخَطايا؛ وقد رُوِي أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (ما يُصيبُ المؤمنَ من وَصَبٍ، ولا نَصَبٍ، ولا سَقَمٍ، ولا حَزنٍ، حتَّى الهمَّ يُهمُّه، إلَّا كفَّر به من سيِّئاتِه) رواه مسلم فإنّ ما يُصاب به المؤمن في الدّنيا ويصبر عليه يمثّلُ عدّاد جارٍ من الحسنات، حتّى يأتي المؤمن يوم القيامة وليس عليه شيءٌ من الذّنوب.
وقال صلّى الله عليه وسلّم: (من يُرِدِ اللهُ بِه خيراً يُصِبْ مِنهُ) رواه البخاري ومعنى يُصِب منه: أي يبتليه فيصبر على ذلك، فيُكفِّر الله عنه سيِّئاته ويُقرِّبه منه،
وهذا الصّبر دليلٌ على رضى الله عن الإنسان، لذلك يخبرُنا نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم بأنه: (ما أُعْطِيَ أحدٌ عطاءً خيراً وأوسعَ مِنَ الصَّبرِ)رواه البخاري.
بالصبر نُكمل طريقنا في الحياة، وما أشقى من لا صبر له، لذلك فعلينا أن ننتظر نهاية الصّعاب لنُدرِكَ كم كان الصبرُ مفيداً ومُعيناً على اجتيازها.
فصبراً يا وطننا الغالي، ويا شعبنا العظيم، فالأمل يولد من عمق الآلام.
رقم العدد ١٦١٨٠