الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
لم يكن المشهد غريباً عندما سمعنا في الماضي أن الأعراب يلهثون خلف إرضاء المصالح الصهيوامريكية؛ بقدر ما كانت الغرابة تلفحُ وجه كل عربيٍّ غيورٍ يُشاهد مسيرةَ التطبيع الخائنة المجرمة التي ظهرت موجتها في الفترة الأخيرة، إنها نارٌ تتأجج في قلب كلِّ وفيٍّ للقضية الفلسطينية، كلِّ وفيٍّ للقدس والمسجد الأقصى المبارك.
بعد أكثر من سبعين عاماً على نضال الأمة ضدَّ الكيان الصهيوني الغاصب، ذلك الكيان الذي زعم بدولةٍ على أرضٍ عربيةٍ مباركة، بعد كل هذا الزمن، وبعد أنهارٍ من دماء الشهداء يُطالعنا الأعراب بتطبيعٍ مُهينٍ ضاربٍ عرض الحائط تلك الحقائق الدامغة للصهاينة اليهود وأحقادهم.
نعم هناك حقائق لا يمكن أن يتجاهلها أحد من الناس حول اليهود وهي ما ذكرها ربنا سبحانه في القرآن الكريم؛ منها: أنهم من أعظم أعداء السلام والإيمان وأهله؛ قال الله سبحانه عنهم: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آَمنوا اليهود والذين أشركوا}، وقد وصفهم الله سبحانه في كتابه بأنهم يقتلون الأنبياء، والمُصلحون، وأن فيهم صفات سيئة من الكذب والخديعة ونقض العهود والمواثيق وأكل مال الحرام والربا وغير ذلك من التصرفات التي لا تليق بإنسان أصلاً.
وتاريخ اليهود مليء بالمؤمرات والدسائس، فقد أرادوا قتل سيدنا المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، و أرادوا قتل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مراراً؛ وأرادوا أن يوقعوا الفتنة بين الصحابة فسلمهم الله، وأول فتنة فرّقت بين المسلمين كانت فتنة ابن سبأ اليهودي، ولا يزال كيدهم مستمراً، وهم يحاربون الحق حيث وُجد.
إن مطامع اليهود ليس لها حد، ولا يمكن أن تتوقف، ونظرتهم الفوقية لباقي البشر من أتباع الديانات الأخرى لا تتغير أبداً؛ فكيف يستسيغ أولئك المُطبِّعين هذه الجريمة النكراء.
إن أرض كيانهم الغاصب الذي يحلمون به ويزعمونه ويسعون للوصول إليه، والذي وضعوا رايتهم على أساسه، يمتدُّ شمال الجزيرة العربية من النيل غرباً حتى الفرات شرقاً؛ ذلك الكيان الغاصب هو نفسه هذه الأرض المباركة التي عاش ويعيش فيها المؤمنون الآمنون، أرض المسجد الأقصى ومحيطه الذي بارك الله حوله، ولذلك اخترعوا مُصطلح التطبيع ليخترقوا صفوف الشعوب العربية بكذبةٍ جديدةٍ هي ادعاء السلم الدائم والشامل وما ذلك إلا لزعزعة عقيدة المؤمنين فيهم، ومحاولة لإخفاء تلك الويلات التي سببوها ويسببوها على مر العصور.
إنهم يهدفون ـ إضافة لزعزعة العقيدة الراسخة عنهم بين صفوف المسلمين ـ يهدفون لأمن كيانهم من ضربات محور المقاومة، ويسعون لزيادة الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة ليستكملوا السيطرة على كل فلسطين.
وأخيراً أقول إن الكلام عن جريمة التطبيع بكثرة بين الأوساط المُثقفة قد يفتعلُ ضجةً كبيرةً في الوطن العربي، الأمر الذي يسوّق له عند ذوي النفوس المُستسلمة، فالخشية من أن ينزلق المجتمع في اللاوعي إلى اعتياد الحديث عن التطبيع، بحيث يُناقَش كحالةٍ مطروحة على موائد الحوار الوطنية.
والواقع الذي لا يمكن أن يُنكر أن على كل غاصبٍ أن يُعيد الحقوق لأهلها ثم يُفكّر بمحاولة المُسالمة مع أصحاب الحقوق المسلوبة، وأما أن يبقى مغتصباً ومعتدياً ثم يُظهر المسالمة فهذا مما يندرج تحت مُسمى الاستهتار والاحتقار لأصحاب الحقوق.
رقم العدد ١٦١٩٤