لا تقتلوا جيادنا الأصيلة

الجماهير/ بقلم محمد حنورة – رئيس التحرير

اعتاد العرب وهم أكثر الشعوب خبرة بتربية الجياد الأصيلة من حفظ أنسابها وتوالدها وتربيتها وتدريبها سواء للحرب أو للسباقات أنه في حال ظهور علامات الشيخوخة على الجواد أن يخففوا عنه رويداً رويداً حتى يبلغ مرحلة العجز فيتركونه يعيش أيامه دون أن يتحمل أية أعباء أو يقدم خدمات تكريماً لسنوات الشباب التي قضاها في خدمتهم ولا يقومون بقتله أو بيعه لتوفير مائه أو غذائه .
مادفعني لذكر هذه العادة العربية هو لقائي بإحدى موظفات محافظة حلب للمرة الأولى منذ تسع سنوات ،وعن سبب غيابها أخبرتني أنها أنهت عملها بعد بلوغها سن التقاعد ،وممازحاً لها: أنت ما زلت صبية وفي ريعان الشباب ، وبتنهيدة حميدة : ألا يكفي 36 عاماً من الوظيفة ..!
وعن سبب قدومها إلى مكان عملها السابق أجابت : عشت حياتي هنا أكثر مما عشت في منزلي والملل وتشابه الأيام يكاد يخنقني وحبل الألفة و المودة مازال متيناً مع جيل الموظفين الحاليين ،وكيف أرفض دعوة فنجان قهوة من مديرة دائرة كانت بمثابة ابنة لي دربتها وأكسبتها من خبرتي ، ومع فنجان القهوة سأقدم لها العديد من الأجوبة والنصائح لملفات استثمارية عدة تم تكليفها بدراستها ،والحمد لله إنني قادرة على تقديم المشورة النافعة والصحيحة بفترة لا تتجاوز فترة ارتشاف فنجان القهوة .
حتى العام 2011 كانت منظمة التعاون الدولي اليابانية ( جايكا ) تنفذ العديد من المشاريع في سورية وأغلب العاملين اليابانيين الذين ينفذون هذه المشاريع من المتقاعدين من عملهم ببلدهم الأم اليابان ،أي إنهم أدوا واجبهم الوطني تجاه دولتهم لكنهم مازالوا يملكون الرغبة والعزيمة للاستمرار في العمل ووضع خبرتهم الثمينة في خدمة من يحتاجها .
العديد من دول العالم اعتمدت طريقة للحفاظ على مواردها البشرية الخبيرة والمخضرمة بشيء تم تسميته اصطلاحاً ( عقد خبرة ) مع المتقاعدين بعد بلوغهم التقاعد ، يدفعهم إلى ذلك أن سنوات العمل الطويلة أكسبتهم تجارب ومعارف وحلولاً عملية ومن خلال هذه الخبرة يمكن للشركات والمؤسسات الحصول على حلول لمشاكل قد تظهر فجأة أو تجنب مشاكل قد تظهر في المستقبل ولنا أن نتخيل الوقت والمال الذي يمكن أن يتم توفيره والأفكار الإبداعية الخلاقة التي ستخرج كتراكم كمي ونوعي لسنوات الخبرة التي يمتلكها عمال ساهموا في بناء سورية على مدى أربعين أو خمسين عاماً مضت ،وكم نحن بأمس الحاجة إليهم في مرحلة إعادة إعمار البشر والحجر والشجر .
رقم العدد ١٦٢٠٣

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار