من هنا مرّ رجالُ الأسد!

 

الجماهير- بيانكا ماضيّة

أغوص في الذكريات، ذكريات الحروف والأحداث في هذا العالم الافتراضي، في صفحتي التي لطالما هكّروها لي واسترجعتها.
أعود إلى مثل هذا اليوم 25 ت1 من العام 2012، حين كانت بداية الحرب في حلب، في ذلك اليوم كتبت الكثير من المنشورات، أقرأ أولها، منشوراً يشير إلى وصول عصابات التكفير إلى جامع الرحمن، ومشفى الكلمة، ونصبهم حاجزاً عند وكالة سامسونغ في محيط الجامع، وأن الحديقة الفاصلة بين السريان الجديدة والقديمة مليئة بعناصر جبهة النصرة، وقد حاصروا بعض البيوت في السريان الجديدة ويطلبون من أهلها الاستسلام بذريعة أنهم من غير طوائف أو أنهم من اللجان الشعبية.
أتخيّل المشهد كما تخيّلته في ذاك العام، في اللحظة ذاتها، أذكر أني قليلاً ما كنت أخرج من الفيسبوك، أتابع مايكتب لحظة بلحظة، أردّ على كل ماينشر من كذب، أبكي كما تبكي السماء.
أنتقل إلى منشور آخر كتبت فيه: “حدّثني صديقي أحمد من منطقة جامع الرحمن أنه رآهم بأم عينه.. للعصابات المحششة…قال لي وباللهجة المحلية (هؤلاء هردبشت) فهل هؤلاء هم من سيتحكم بنا؟! سحقاً”..أتذكّر ذاك الحديث، وأتذكّر كيف أن أم صديقي أحمد، رأت الدبابات من أمام شرفتها، ولوّحت لعناصر الجيش بكلتا يديها..
منشور آخر كتبت فيه عن عسكري خطفه الجيش الحر من الأشرفية وهو ابن جيران بيت عمتي، تحدثني عمتي على الهاتف وأصوات ولاويل أهله في البناء نفسه تكاد تصل إليّ. أتذكر ذاك الاتصال وكيف اقشعر جسدي وأنا أسمع تلك الولاويل وكيف اغرورقت عيناي بالدموع ولم أعد أستطيع الحديث مع عمتي.يارب أنقذنا يارب!.
وفي ذلك اليوم كانت شبكة النت ضعيفة جداً، اتضح لي هذا من منشور كتبته يشير إلى أن هناك الكثير من أصدقائي يسألونني عبر الدردشة: هل سقطت حلب؟!.
تعود ذاكرتي إلى تلك الدردشات، وأني أردت من خلالها أن أقول لهم حلب لاتسقط، حلب عصيّة عليهم!.
أنتقل إلى منشور آخر: “صديق لي يحدثني عما رآه اليوم، وهو عابر في أحد الباصات، قال: بدءاً من دوار حديقة الأشرفية الموصولة مع شارع الزهور بالسريان الجديدة … انتشر المسلحين من جماعة النصرة ممن وضعوا عصابات سوداء على رؤوسهم، مكتوب عليها (لا إله إلا الله) انتشروا من جانب الحديقة بعد أن أفرغوها من بائعي الجملة للخضار وصولاً لدوار السريان القديمة مروراً بمشفى الفرنسي، حيث شاهدنا حوالي 10 مسلحين أو أكثر بالباب الداخلي للمشفى وفي باحته، وقالوا إنهم أنزلوا العلم السوري ورفعوا علم الانتداب. ومن الساحة العلوية حتى السفلية نشروا حاجزين لتفتيش الهويات، أقول: هذا ماكان صباحاً في الساعة العاشرة والنصف، ومن ثم لم يبق أحد”. أضحك اليوم على علمهم الذي داسه الجيش بأقدامه.
“وينزّ الجرح السوري المسيحي والإسلامي معاً.. هذه سوريتنا ولن نتخلى عنها، اقطعوا رقابنا ولن نهاجر، حاربونا ياكفرة بكل ما أوتيتم من نار غير مقدسة ولن نتزحزح قيد أنملة”..هذا هو المنشور الذي تلاه، وتلاه أيضاً: “مسيرة جماهيرية في شارع الزهور تحية للجيش العربي السوري وسورية وقائدها بعد تطهير الحي من الإرهابيين”. “الجيش العربي السوري يقتحم حي الشعار ويتمركز قرب دوار الشعار وينجح في تنفيذ أروع عملية نوعية في مشفى دار الشفاء، إذ دخلت قوات من المهام الخاصة المشفى وقامت بتصفية عدد كبير ممن كان في داخله، مع نقل كل السلاح الموجود في مستودع المشفى، وتحميله بالسيارات، وقد كتب على الحائط داخل المشفى: من هنا مرّ رجال المهام الخاصة، رجال الأسد”.
أقرأ اليوم هذا الكلام وأقول (ياسلام)، أبتسم وأضحك ملء قلبي.
وأنتقل إلى عام 2018، إلى منشور مرفق بصورة، كتبت فيه: “هذا ماتعرضت له حلب من قذائف الهمج، ولهذا كان ردّ الجيش بصواريخ أرض أرض لتدكّ معاقلهم” أتمعّن في الصورة، أرى النيران التي أحرقتهم عن بكرة أبيهم. “فحلب تستنفر، مشافي حلب توضع في الخدمة وتستنفر لاستقبال الجرحى فالمدينة تتعرض الآن لهجمة وحشية من قبل مسلحي النصرة في كفر حمرة وضهرة عبد ربه وأطراف الليرمون” أتذكّر كيف كانت حلب منذ عامين، كيف كانت الأرض تهتز تحتنا والقذائف التي طالت الكثير من أهل حلب.
ومنشور آخر كتبت فيه: “الجيش العربي السوري يستهدف مواقع المسلحين في محور جمعية الزهراء غرب حلب” وأتذكر الشهيد باسل قرفول الذي قام بتفجير أربع مفخخات لعصابات الحزب التركستاني المعروف بأنهم مجموعات انتحارية؛ ليحمي حلب من أضخم هجوم للنصرة ابتغت من خلاله اقتحام حواجز وأسوار حلب لدخول آلاف الإرهابيين المدعومين من تركيا إلى المدينة، ولكن المعركة فشلت بعد أن قامت وحدات الجيش السوري بالتصدي للمهاجمين وقتل عدد كبير منهم. أتذكر تلك اللحظات وأتذكر كل ماكتب عن الشهيد قرفول.
والآن أكتب: أريدُ أن أغوصَ في عالم الموسيقا معكَ، فهو العالم الأكثر نقاء من كل العوالم…الله محيي الجيش…هنا حلب !.
رقم العدد ١٦٢٠٥

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار