الإساءة تعود على المسيئين ..

 

 بقلم: الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة

كُنتُ أردد أبيات الدكتور داوود سليمان العطار بعد سماعي لخبر الاساءة الفرنسية للرسول صلى الله عليه وسلم:

أمِنَ الغدرُ بأسَنَا فتمادى
وسَكَتْنا عن الفسادِ فَسادا
أيُّ جَدوى ونحنُ نكرعُ بؤسًا
وشقـاءً أن نمدحَ الأجــدادا

لعلّ من المجدي أن أُوضِّح في عُجالةٍ انقسام الناس في علاقتهم مع التاريخ إلى أقسامٍ ثلاثة: قسمٌ على هامش التاريخ يعيش ويموت من غير أثر، وقسمٌ يدخل التاريخ من أوسع أبوابه؛ بل يكتبه بأحرفٍ من مجد ورِفعة وخير وفضيلة، وقسمٌ ثالث يدخلون التاريخ من أبواب الشرور ويختتمون وجودهم فيه في مزبلة التاريخ؛ وإن الإساءات التي بدرت من فرنسا هي من قبيل القسم الثالث.
إن تلك الإساءات المتمثلة بتصريحات المأزوم “ماكرون” والتي أعلن فيها تمسكه بالرسوم المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونشرها على واجهات بعض المباني الضخمة تعطي تصريحاً لكل من رضي بذلك أن يتبوّأ قعر مزبلة التاريخ مذموماً مدحوراً.
أما رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم درّة تاج البشرية جمعاء فهو خالدٌ بذاته وأعماله وصفاته؛ بذاته الحميدة وأعماله السديدة وصفاته المجيدة؛ كيف لا وهو الذي وصفه ربُّنا سبحانه بكونه رحمةً خاصة للمؤمنين فقال: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]، ورحمة عامة للعالمين فقال جلّ جلاله {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] وأثنى على أخلاقه فقال سبحانه:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[ن:4]، فماذا بعد ثناء الله عليه صلى الله عليه وسلم؛ وهل يُلتفت إلى أولئك الأصاغر العلوج.
ولن ننسى أن الله تعالى تعهّد بنصر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم فقال: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} [الحجر:95] وقال سبحانه {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[البقرة: 137]
وينبغي أن نُذَكّر بما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما هجاه بعض الكفار، ذاكرين اسم “مُذمم” بدلاً عن “محمد” زيادة في الذم، فتوجه صلى الله عليه وسلم لصحابته الذين استاءوا مما قال أولئك المشركين فقال: (لا تعجبون كيف يَصْرِفُ اللهُ عني أذى قريشٍ وسَبّهُمْ، هُم يشتمونَ مُذَمماً وأنا مُحَمّداً). رواه البخاري.
وتلك الصحيفة الرعناء والقائمون عليها قد نشروا رسومات لشخص وهمي في أذهانهم، وهو ليس رسول الله من غير شك.
على أنه لا يمكن أن ننتقص من حقنا في الردِّ على أولئك مثلما حدث حين هجا بعض الكفار رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فقال له حسان بن ثابت: أتأذن لي يا رسول الله أن أهجوهم؟ فأذن له.
ولا يمكن أن يخفى على ذي عقل أن المقصود من هذه الإساءة هو إهانة العرب والمسلمين باستهداف رمزهم؛ وذلك نتيجةً طبيعيةً لزوال الهيبة والاحترام. ولعلّ هذا الأمر من نبوءات رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم، من كل أفق، كما تداعى الأكلة على قصعتها. قالوا: يا رسول الله، أمن قِلّةٍ بنا يومئذ ؟ قال: أنتم يومئذ كثير، ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل، يَنتَزع المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوهن. قالوا وما الوهن ؟ قال: حب الحياة ، وكراهية الموت) أخرجه أحمد.
ولعلّ ما يجري يُعيدنا إلى حادثة في العصر الجاهلي عندما أغار بعض بنو شيبان على الشاعر قريط بن أنيف وسلبوا منه ثلاثين بعيراً، ولم ينصره قومه بل خذلوه، فاستنجد ببني مازن، فنهبوا من بني شيبان مئة بعير، ودفعوها إليه، فقال:

لو كنتُ من مازنٍ لم تستبحْ إبلي
بنو اللقيطةَ من ذهلِ بن شيبانا
لا يسألونَ أخاهم حين يندبهم
في النائباتِ على ما قالَ برهانا
لكنَّ قومي وإنْ كانوا ذوي حسبٍ
ليسوا من الشرِّ في شيءٍ وإنْ هانا
يجزونَ من ظلمِ أهلِ الظلمِ مغفرةً
ومن إساءةِ أهلِ السوءِ إحسانا

والشاهد هنا أننا ونحن في هذا العصر لو كنا نعيش في أُمةٍ مُهابة الجانب لما تجرّأ علينا أمثال أولئك الحثالة؛ ولكن الواقع يحكي لنا حقيقةً مفجعة تتمثل في تكالب أبناء جلدتنا وديننا على أوطاننا؛ خططوا وسلّحوا ودرّبوا ودفعوا الأموال وجعلوا الإرهاب يضرب أطنابه وطبوله في بلادنا؛ وهم في حالة ودّ وعهد مع الأعداء.
ولكن الليل وإن طال فالفجر سيزيل ظلمته، والغدر وإن صال فالحقُّ سيستأصل شأفته.
و لنقف موقف النصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ..
أما رسولنا الرحمة المُهداة صلى الله عليه وسلم فإننا في شامنا وجميع شعوب الإسلام في سائر أصقاع الأرض نحبك يا رسول الله ونرفع إليك أزكى الصلاة وأتمُّ التسليم؛ أنت صاحب الحوض المورود والمقام المحمود واللواء المعقود صلى عليك إلهنا المعبود؛ كن شفيعنا عند ربنا ليكشف ما حلّ بنا من كروب يا أشرف خلق الله أجمعين.
رقم العدد ١٦٢٠٧

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار