الجماهير – عتاب ضويحي
صدف الحياة ومفارقاتها الغريبة تجعلك على يقين تام بأن الحياة كلها تناقضات “الأحداث، الأشخاص” حتى لو دققنا بأنفسنا لوجدناها مليئة بعشرات التناقضات في اليوم الواحد، فلا قاعدة ثابتة في هذه الحياة، والرهان عليها محكوم بالمجهول.
في ذات المكان مشهدان مختلفان بطلهما المشترك المرأة، سيرورة الأحداث مختلفة لكن قد تكون القصة الثانية نتيجة أكيدة للقصة الأولى.
بطلة القصة الأولى سيدة لم تكمل الثلاثين لديها من الأولاد خمسة، بدأت ملامحها تعطي إشارات الغضب والحزن، أجهشت بالبكاء تندب حظها العاثر، تشكو عدم إحساس زوجها بالمسؤولية تجاهها وتجاه بيته وأولاده، وتهدد وتتوعد بأن تترك كل شيء وراءها وتمضي إلى غير رجعة، ولأن جميع الحاضرات والمستمعات نساء، بدأت تنهال عليها سيول النصائح والتهدئة واتفقن جميعهن على ضرورة تحليها بالصبر والتحمل لأجل أولادها فما من حل أمامها إلا التضحية من أجل صغارها وهو الدور الطبيعي الواجب على الأم القيام به.
في القصة الثانية يدور سيناريو آخر، بطلته سيدة عجوز تجاوزت المئة عام بسنة، تأتي سيارة من دار المسنين لتأخذها، ينزلها الموظفون من على الدرج، وكأن كل درجة تنزلها تدق في عداد عمرها معلنة ساعة الصفر لبداية النهاية ، وينبعث من جسدها الهزيل المتعب عفن سني عمرها، الذي أفنته في تربية ورعاية 5بنات، لم تستطع أية واحدة منهن أن تكون لأمها الملاذ الآمن والولد الذي يحمل” كبرة أهله “كما هو دارج اجتماعياً.
تنتهي الأحداث بذهاب المسنة لدار المسنين وعودة الشابة لتكمل مسيرة تلك المسنة، ويبقى خريف عمرها رهين مقامرتها بذلك النرد “أولادها” فإما أن تكسب الحياة بأكملها وإما أن تخسرها بأكملها! .
رقم العدد ١٦٢٣٩