الجماهير/ بقلم حميدي هلال
شعرت بالرعب إلى درجة الإغماء وأنا أراقب بدهشة كيف تنساب الاوراق المالية في ماكينة العد ، وقد اقشعر بدني من “صليل المصاري ” ، ربما المبلغ عادي في نظر الكثيرين ولا يرتقي إلى درجة الفزع كما حصل لي ، ” الشغلة تعويد ” وأنا قلبي ضعيف لا يحتمل مناظر كهذه .
منذ أسبوع ” طرق ” صديقي مليون ومئة ألف ليرة في مشفى خاص مقدم أجور عملية بروستات .
” الكاشير ” قال له : ” هذه ناشفة ليد الطبيب الجراح ” ، مليون ومئة أجور قصابة ناشفة ..؟؟!! هذا يعني هناك مصاريف أخرى وتبعات ..!!
أتوقع أن صديقي هذا أمام اضطراره للعمل الجراحي استدان المبلغ من فلان وعلان وتحمل ضغط الحاجة مرغماً وعلى حساب كرامته، فهو يعمل ” معلم مدرسة ” والشغل ” مو عيب ” .
في المقابل تصيبني الدهشة بشكل أكبر عندما أقرأ على الفيسبوك أن فلاناً من الناس تبرع ب ١٣ مليون ليرة لمساعدة شخص مريض يحتاج إلى عمل جراحي..هذه المرة دهشتي ليست من تكاليف القصابة ، دهشتي من مبادرة هذا المتبرع ” الكاصّة ” ، ما هذا المتبرع الذي يقدم ١٣ مليون ليرة هدية ؟؟ !! كم يمتلك من المال يا ترى في كاصّته ..!!؟؟ ومن أين له هذا..؟؟
ابني ” ١٧ سنة ” كان يخبرني عن دهشته من أحد أصدقاء الشارع كيف يلعب بالمصاري ..قلت له: هذا أكيد حرامي ابن حرامي .. بعد فترة أخبرني أنه أصبح في بيت الخالة..
وعلى سيرة ” المصاري ” يروى أن أحدهم جمع كل من كان يعتقد أنهم أصدقاء وأحباب في مجموعة على الواتسأب ، أسماها مجموعة ” أصدقاء الروح ” أسوة بأصدقاء البيئة ، وأصدقاء اللغة العربية ، وغيرها الكثير ، المهم وبلا طول سيرة دعت الحاجة هذا الشخص مؤسس المجموعة إلى طلب بعض ” المصاري ” ، كتب حاجته على المجموعة وجلس ينتظر انهيال سيل العطايا ، وبعد دقائق بدأت عبارة ” غادر فلان ” تنزل على التوالي ، الكل غادر المجموعة وبقي هو وحيداً يصارع حاجته ..!
منذ ذلك الحين ، لم يعد له أمل في الجلوس أمام مكتب الهرم لاستلام الحوالة المرتقبة ، أدرك أنها لن تأتي مطلقاً ، فلم يعد يغريه الانتظار..
العالم الواقعي شديد الارتباط بالعالم الافتراضي ، في العالم الافتراضي تظن أن لديك آلاف الأصدقاء، وعند ” المصاري ” لن تجد أمامك سوى شاشة الهاتف أو ” اللابتوب ” ..! لوحدك تواجه مصير الحظر ومغادرة المجموعة ..وكذلك يحدث في العالم الواقعي ..
أنا شخصياً أمارس بحق عائلتي أقسى أنواع التقشف حتى لو بتنا أياماً بلا طعام ، لأخرج من شهر الراتب دون أن تدفعني الحاجة إلى طلب العون من أحد وخاصة من أشخاص كنت لهم يوماً السيف والعضد الذي يضربون به.
بطبيعتي لا ألتفت إلى الوراء ، وأحب شيء إلى قلبي أن يقصدني الناس لقضاء حوائجهم على أن أقصد أحداً أو أحتاجه ، مع أنه يتوجب علي في بعض الأحيان دفع رسوم التعاون والنشاط من خاصرتي لخدمة الآخرين دون مقابل أرجوه من أحد .
بكل أسف كانت ” المصاري ” وما زالت هي المحرك الأساسي للعلاقات الاجتماعية وتحديد مكان الفرد ومكانته أيضاً في المجتمع ، وفي حضرة الحديث عن ” المصاري ” يأمرني العقل الباطن أحياناً أن أنسحب من المكان الذي لا يسعني ، إلى المكان الرحب ، أزيل من المجموعة فوراً كل الأشخاص الذين لا يمنحوني المساحة التي أستحقها قبل أن يغادروني أو يغدروا بي بسبب المصاري أو بفضلها ..!
لكن في كثير من الأحيان تجد نفسك مرغماً على التعايش مع المكان الذي يضيق بك ..لتقع من جديد تحت ضغط الحاجة إلى المصاري ، رغم كل ما خططت له للهروب من براثنها ؛ فتشعر بمرارة الهزيمة ، في الوقت الذي تظن فيه أنك قد انتصرت على نفسك .
رقم العدد ١٦٢٤٥