تأملات في عام (2020)

الجماهير – بقلم الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة

الوقتُ صافٍ كماء النبع يكدُرُه
فعلُ الشرورِ فيغدو الوصفُ بالنَّدَم
أما إذا ما اعتراه الخير نبصِرُه
نوراً نسير به في أحلكِ الظُلَم

كان العرب في عصر الجاهلية يسبون الزمان ويذمون الدهر عند وقوع المصائب والكوارث، فيقولون تباً لذلك الزمان أو تعساً أو بؤساً، ويكثرون من ذكر ذلك في أشعارهم، وقد ذكر الله تعالى قولهم في كتابه العزيز فقال: ﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ﴾ [سورة الجاثية: 24].
ولقد أظهر عامنا هذا بعضاً من ذلك الإرث الجاهلي العتيق في صفوف أبناء أمتنا حيث رأينا ذلك عند اقتراب انتهاء عام (2020م)، فقد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي سيل من الشتائم المودّعة لهذا العام والذي كانت فيه الأحداث قاسيةً على الناس.
نعم لقد بدا عام (2020) على مستوى العالم مختلفاً عن الأعوام السابقة، بعد أن شهد تفشي وباء كورونا “كوفيد-19” الذي طبع معظم أحداث العام بطابعه وترك آثارا كارثية على الاقتصادات العالمية وقيوداً على حركة الناس والعلاقات بينهم وسفرهم وتنقلهم بين البلدان، وترك ما يزيد على الستمئة وخمسون ألف حالة وفاة بسببه، لقد فجع القلوب وزاد الأحزان ونكّل ببني الإنسان.
كما شهد (2020) تصاعداً للتوترات في أكثر من بقعة في العالم، وكذلك شهد العديد من الكوارث الطبيعية، كحريق الغابات وسقوط طائرات الركاب. وشهدت المنطقة العربية فيه رحيل بعض زعمائها.
غير أنه بالنسبة لنا في سورية ولشعبنا الأبي العظيم الصابر فقد كان النصيب من المعاناة العالمية بحجم عراقته وتاريخه وعمقه وعظمته؛ لقد كان النصيب كبيراً جداً، كان استمراراً لمسلسل الآلام التي بدأت مع المؤامرة العالمية ضد وطننا منذ بداية الأزمة.
لقد شهدنا قانون قيصر الجائر بكل ما يحمل من وقاحةٍ وصلفٍ وظلمٍ، وشهدنا اعتداءات الصهاينة الغادرة على أراضي وطننا الحبيب، كما شهدنا قوافل الشهداء العظماء الذين رووا بدمائهم تراب الوطن ولا زلنا نشهد، وشهدنا الغلاء والبلاء وتكالب الأعداء، ورغم ذلك كان اللطف الإلهي وسيبقى سيّد الموقف في وطننا.
على أننا ورغم كل الكوارث التي حدثت تعلمنا في ديننا أن لا نسب الزمن الذي حدثت فيه تلك الكوارث، فلقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذم الدهر وسبه في أكثر من حديث، منها:ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: (قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم؛ يسب الدهر، وأنا الدهر، أُقَلّبُ الليل والنهار).
لذلك فليس زمن (2020) سيئاً وإنما السيءُ تلك الأحداث التي وقعت على الناس فيه، فالزمن ليس فيه عيب وإنما العيب في البشر الذين استجلبوا تلك الكوارث لبعضهم البعض ولله درُّ الإمام الشافعي حيثُ وصّفَ الحالة بدقّةٍ فقال:

نعيب زماننا والعيبُ فينا
وما لزماننا عيبٌ سوانا
وقد نهجو الزمان بغير جُرمٍ
ولو نطق الزمانُ بنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئبٍ
ويأكل بعضنا بعضا عيانا

أخيراً أقول: لقد كان العام المُنصرم ـ رغم ما مرَّ به من أحداث ـ عام لُطفٍ إلهي وفضلٍ ربّاني وعطايا ليس لها حد ولا عد، اجتاز شعبنا العظيم فيه شوطاً طويلاً من قلّة الموارد رغم شدّة المعاناة، وسلم شعبنا العظيم من هجمات الإرهاب بفضل من الله ثم بعزيمةٍ لا تلين من الجيش الباسل المدافع عن وطننا، لقد نجا كثيرٌ من أبناء شعبنا العظيم من جائحة كورونا، رغم وجود الوفيات الذين قضوا بقضاء الله وقدره.
فلله تعالى الحمد على نعمه ونسأله المزيد، وأن يُعيد لوطننا الطمأنينة والسلام ولحياتنا الرفاه والإنعام، ولقلوبنا المحبة والوئام، فهو على كل شيء قدير.
رقم العدد ١٦٢٧٥

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار