الجماهير – أسماء خيرو
مع أن الحرب في مدينة حلب توقفت ولم نعد نسمع صرخة المواطن التي كانت تطالب بالقضاء على الإرهاب، إلا أن مرحلة ما بعد الحرب صنعت صرخة مختلفة تماما عن تلك التي كانت تتناهى إلى سمعنا في تلك الأيام إنها الصرخة المعيشية ..
هذه الصرخة يمكنها أن تصادفك أينما ذهبت أو كيفما اتجهت فقط ماعليك إلا أن تيمم وجهك شطر الواقع في مدينة حلب ، وأكثر الصرخات إيلاما تلك التي التقيت بها على غير موعد لرجل يجلس على قارعة الطريق ، ماجذبني للتحدث معه صناديق الكرتون التي كان يضعها فوق الدراجة التي بجانبه ، إذ كنت أعتقد أنه أحد العاملين في مهنة جمع الكرتون والأوراق من الشوارع وحاويات القمامة في رغبة مني بأن أكتب عن هذه المهنة المستحدثة التي خلفتها الحرب السورية ، ولكني فوجئت بعد سؤالي له، بأنه لايعمل بهذه المهنة، ولكنه قام بجمع صناديق الكرتون من أجل أن يوفر الدفء لعائلته ، لأن البطاقة الإلكترونية لم تقرر بعد، فيما إذا كان يستحق أن يتدفأ في هذا الشتاء القارس أم لا ،إذ لم يحصل على حصته من المازوت المخصص له منذ قدوم فصل الشتاء، إضافة إلى أنه سيستفيد من صناديق الكرتون ليضرم النار في الحمام المفتقد للمازوت، ومن أجل صنع الطعام لأن أسطوانة الغاز التي لديه فارغة فهو ينتظر منذ ٧٠ يوما، على أمل أن تترفق به البطاقة الإلكترونية المدعوة (بالذكية ) وتحدد له موعداً لاستلام أسطوانة الغاز، وبالرغم من المفاجأة التي أصابتني نتيجة إجابته تلك ، إلا أني تذكرت صرخة لاتقل إيلاما عن تلك التي أسمعني إياها المواطن ، صرخة يتردد صداها عندما يحتضن الظلام مدينة حلب، فالكهرباء أتقنت فن الغياب ، ولا أحد يعرف لها عنوانا، قالوا عنها ذهبت مع الريح ، خطفها مارد من الجان ، ينادون عليها لعلها تهتدي بصوتهم ، ولكن لاتنادي فلقد عز النداء ..
وبعد ماسمعناه من صرخات لا يسعنا أمام ماقيل ، إلا نوجه القول إلى الجهات المعنية بأن تطرق السمع جيداً وتجد حلولا جذرية لما يحصل من تجاوزات في الواقع من البطاقة الإلكترونية وغيرها، فحال المواطن المتردية والآه المعيشية أسمعت من به صمم ..
رقم العدد ١٦٢٨٥