الشاعر مزعل لل” الجماهير”: التفرد مايغريني في الشعر .. ومفرداتي ” ابنة الشارع “…. المشهد الثقافي يصيبني بحالة إحباط … وما أحترمه في الناقد الجاد أن يكون بيده القرار ..
الجماهير – أسماء خيرو ..
شاعر برؤيا فلسفية متفردة هو إيماض جديد في وطن ليله مشبع بالتجارب التي تشكو الكهولة ، في قصائده معان عميقة تتصاعد فيها الكلمات وتهبط بتواز مشدود مع إرهاصات الروح وتوثباتها وركودها ، يطرح في ثنايا دواوينه التي تحمل عناوين ( قهوتي والتتار وأنت ، وكل من عليها خان ) تساؤلات مريرة عن واقعه الممتلئ بصدى الرعب ، يعتمد على الرمزية والغموص للإفصاح عن الرؤيا التي تؤرق ذاته ، كلماته تبلغ الأعماق في مداها تنتشل الصيحة المكبوتة التي ينام ظلها في خيالنا القلق المضطرب .ولد في الرقة وتربى في مدينة حلب فتوسم التواضع واللباقة والمرح، إنه شاعر التناقضات “مزعل المزعل” الذي استطاع أن يثبت أقدامه على أرض صلبة بالرغم من الجدل الواسع الذي أثير حول مؤلفاته الشعرية. وحتى نقترب ممن ترجمت مؤلفاته للغة الفرنسية واستطاع أن يتحسس أبعاد واقعه برهافة إنسانية فلسفية كان للجماهير هذا الحوار معه ..
*تجاربنا عليها أن تبدأ من نقطة ما لابد لها من تاريخ يؤرخ ماحدث حدثني عن أيامك الأولى التي انطلقت منها تجربتك الأدبية ومتى التقى بك الشعر ؟
– الحقيقة بذور تجربتي الأدبية قديمة جداً تدرجت عبر مراحل عديدة من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية وصولاً للجامعية ، إذ كنت أكتب الشعر الموزون ، حتى أني كتبت رواية ولكنها ظلت حبيسة الأوراق، إلى أن قرأت للشاعر بول فاليري وتأثرت بنصوصه الشعرية الحرة التي لاتخضع لوزن أو قافية ، فاتجهت إلى منحى بعيد كل البعد عن الشعر الموزون الذي كنت أكتبه في بداياتي ، وفي عام ٢٠١٢ عندما جاء الإرهاب وأخذ كل شيء معه، كنت على موعد مع الشعر فكان اللقاء ، وخرج ديواني الأول بعنوان ( قهوتي والتتار وأنت ) إلى النور ..
*قلت إنك تأثرت بالشاعر الفرنسي بول فاليري ما الذي جذبك إليه ؟ ولماذا هو دون آخرين ممن يكتبون الشعر ؟
– نعم لقد تأثرت بشعره كثيراً كلماته استولت على روحي ووجداني مست مابداخلي من تناقضات الشاعر” فاليري “ما يثيرك في شعره الحالة الفلسفية الوجدانية ، شعره يدخل إلى أعماق الإنسان دون استئذان يثير في داخلك التساؤلات، إضافة إلى أن أسلوبه الشعري لم يتطرق له أي شاعر من قبل ، ولم يتجرأ أي انسان أن ينهج نهجه، التفرد هو ما أغراني أن أسير على خطاه دون آخرين من الشعراء..
*حتى نتحدث بلباقة علينا أن نتقن الأبجدية، والشعر كذلك حتى ننظمه يحتاج إلى الأبجدية ذاتها ولكن لكل شاعر مفردات تعنون قصائده ، ما التسمية التي تطلقها على مفرداتك الشعرية ؟ ولماذا لقبت بشاعر التناقضات والمفردات المقلقة ؟
-التسمية التي أطلقها على مفرداتي ( ابنة الشارع ) لأنها وليدة الواقع والحياة بمختلف تفاصيلها تحكي الحالات الإنسانية ، فتصدم القارئ تارة وتثير التساؤلات في فكره تارة أخرى ، ولقد لقبت بشاعر التناقضات والمفردات المقلقة، لأن الإنسان بطبيعته دائما في حالة قلق وترقب ، تتحرك في داخله الكلمات وتتجذر في التقاء بطولي مأساوي ، ورغم أن الحرب توقفت لم نخرج بعد من تلك الحالة المقلقة التي خلفتها الحرب حين تلتقي الشجاعة بالمأساة …
* قلت إن القلق لابد منه لأننا جبلنا عليه برأيك عندما تثير القلق من خلال كلماتك الشعرية عم تبحث ؟
-عندما أثير القلق في مؤلفاتي الشعرية، أبحث عما بداخل الإنسان ، فأنا أحاول أن أخرج منه ما لايقال، إذ أن هناك أناسا لايستطعون أن يفصحوا عمابداخلهم، أحاول أن أنتزع منه الكلمة المكبوتة في الأعماق ، فمن الجميل أن يجد هذا الإنسان من يتساءل عنه ويصيغ المفردات التي تعبر عمايعتريه من معاناة، كالإحساس الذي تمتزج فيه كل التفاعلات والانعكاسات والاستجابات النفسية في علاقتها مع مايحدث في الواقع ، وهنا يأتي دوري كشاعر لأعبر له عن هذا الإحساس …
* الشعر حالة تعتري الشاعر إما يستذكر بها الماضي أو يخط بها رؤى للحاضر ؟ شعرك من أي زمن يستفيد؟
– كلماتي الشعرية تستفيد من الحاضر برؤيا مستقبلية ، وفي الوقت عينه ترنو للماضي تحاوره ويحاورها ، مؤلفاتي فيها تناص إلى حد ما حتى أمنح للمشهد قوة أكثر ، أحاول أن أوصل قلقي للعالم من خلال الاستفادة من ومضات الماضي وتجسيد مشاهد من الحاضر، إنها كالصورة الناطقة تماما ، بلورة للمشاعر التي تمنح الشاعر طابعه الخاص تجعله يستذكر بهدوء ماضيه ويلتقي بحاضره ويعانق المستقبل بتفرد أسلوبه وكلماته ..
* حين تلقي الشعر مايعنيك أن يكون المسرح مجهزا بالديكور الذي يخدم مؤلفاتك الشعرية، إذ أنك تقوم بالتمثيل إضافة إلى إلقاء الشعر وهذا الأمر لم تعتد عين المشاهد عليه ؟ ما الغاية التي تبتغيها من ذلك؟
-أحاول من خلال أدائي التمثيلي المقترن بالموسيقا والذي يصاحب إلقائي للشعر ، أن أكسر حالة النمطية والجمود المتعارف عليها ، إضافة إلى أني أحاول أن أدع الكلمات تفصح عن المعنى وتجسد الملامح، لتخرج عناصر الحيوية الموجودة في روح الإنسان، ليعايش أزمة واقعه بشكل حي ومباشر ، فالحياة التي نعيشها تتعدد فيها الصور التي تلقي ظلها المتعب على نفوسنا ، لذلك أنا بأسلوبي هذا أكسر حالة النمطية التي اعتاد عليها الإلقاء وفي الوقت عينه أحاول أن أوظف كل شيء لفتح أفق جديد ..
* تُرجمت مؤلفاتك للغات الأجنبية ، كان الفرنسيون أول من اهتموا بمؤلفاتك ، إذ رؤوا أنك حالة فريدة وجديدة ومبتكرة في الشعر ؟ هل تعتقد أن مؤلفاتك نالت ماتستحق من الاهتمام في وطنك ؟
– ترغبين الصراحة، للأسف مؤلفاتي لم تنل ماتستحق ولم آخذ حقي في الساحة الثقافية في مدينتي، ومازلت لاأعرف السبب ، ربما لأن كل شيء جديد لابد له من أن يحارب أو أن لايعترف به ، ولكن إعجاب الفرنسيين واعترافهم بنتاجي الأدبي وترجمته للغة الفرنسية، جعلني أحصل على جزء من حقي الذي كان أولى بمدينتي حلب أن تهتم به وتعتبره حالة مبتكرة وجوب الاعتراف بها والاطلاع عليها ودراستها..
* مؤلفاتك أثارت الجدل إلى حد كبير، منهم من وجه إليها نقداً سلبيا وآخرون كان نقدهم إيجابيا مارأيك بنقاد اليوم ؟
-رأيي ربما لن يعجب الكثيرين وبالأخص وجود موضوع الاصطفافات التي تؤثر على مسيرة الشاعر ، للأسف هناك بعض النقاد ليسوا أصحاب قرار لايريدون لأي مشروع أدبي أو فني أن يتقدم وهؤلاء أنا لاأعيرهم اهتماما، أنا جئت بمشروع جديد مهما يكن كان عليهم أن يقرؤوه ، ولكن أن يتم رفضه والحكم عليه برأي سلبي قبل قراءته أو الاطلاع عليه هذا لايسمى نقداً ، لذلك هؤلاء أستمع لنقدهم وبالرغم من أنه لاينال إعجابي أتقدم، فلن يثنيني أحد عن كتابة الشعر لأنه عشقي الأول والأخير ، لذلك أنا لاأهتم لنقدهم ، مايهمني الناقد الجاد المتمكن أمثال الناقد نضال الصالح ، لقد كتب عدة مقالات في مؤلفاتي الشعرية ، وأنا أقدر كثيراً وأفخر بما يكتب ، إنه ناقد مبدع صاحب قرار ..
* الحوار شارف على الانتهاء أخبرني إن لم يكن الشعر من حاز على تفاصيل حياتك و فكرك من كان سيوازيه في الاهتمام ؟ وهل فكرت يوما باعتزال الشعر ؟
– إن لم أكن شاعراً كنت آمل أن أصبح أحد نجوم كرة القدم ، ولكن الأدب والشعر كانت له الكفة الراجحة في الاهتمام، إذ يقولون إن الأدب ملجأ الرياضيين الفاشلين ، ولاأعرف مدى صوابية هذا الكلام ، وبالنسبة لتفكيري بالاعتزال مع أن المشهد الثقافي يولد لدي حالة من الإحباط بكل المقاييس، إلا أني لم أفكر بعد بالاعتزال، فأنا شاعر جئت برؤية جديدة ورؤيتي هذه باعتقادي تقف على أرض صلبة لن تتزعزغ ، فما يهمني هو القارئ ، إذ لايمكنني أن أتكلم بلغة عمر بن كلثوم أو المتنبي في هذا العصر .. ولايمكنني ان أكون عنترة بن شداد ، وأتحدث بلغة السيف في عصر الإنترنت لذلك على الشاعر أن يكون ابن يومه متمكن من قراءة عصره ..
*وختاما أريد كلمة منك وقصيدة تلخص فلسفتك في الحياة ؟
– الكلمة الأخيرة هي جزيل الشكر والامتنان العميق لكادر جريدة الجماهير على هذا الاهتمام وهناك قصيدة قريبة إلى قلبي و تلخص فلسفتي في الحياة هي قصيدة ( الروح ثم الروح ) وأبياتها تقول ..
الروح ثم الروح
ثم هي / أوصيك ونفسي الخاطئة بحبك وهي/
وأحثّك على السمع والطاعة والنهي إن كنت صالحا فلها كما هي/ وإن أسأت فعليها وهي/ ملك لك أنا والقلب وهي كن لها أرجوك كما هي/ أما بعد :
العداؤون الكهنة والآباء المقدسون / المتعالون عن سطح البحر الصالحون/ واللات والعزى القارئ في الفضاء اللامتناهي/ يملي شروطا قاسية الرقاب تهتز الرؤوس إلى الأسفل/ وحده الصمت كان مدوياً
لقد انقطع عملك يا بن آوى إلا من ثلاث ونصف/
أما بعد : أستطيع الموت بعد الآن / ستجدني هناك في المقبرة المنافية للمنطق/ في قبر ضيق ليس عميقا
بسبب صخرة قاسية / قال الحفار :إنها تظهر في قبور المعذبين / وسط ذباب ملون يعاني من سمنة مؤقتة
أما بعد أستطيع الموت بعد / أقول قولي هذا
فما قولها هي / وأستغفر الله لي ولكم /
ولسائر المحبين أجمعين !
ت : هايك اورفليان ..
رقم العدد ١٦٢٨٩