الجماهير- بيانكا ماضيّة
نبحث عن خبز أحلامنا، نشتريه بالبطاقة الذكية، ثلاثة أحلام لاتسدّ جوعاً. تذهب ذاكرتك نحو الماضي البعيد، وتبدأ المقارنة المحبطة، “سقا الله أيام زمان” هذه هي الجملة التي تسمعها مراراً، أي حال وصلت إليها الشعوب، حروب وأهوال وحصار ودم، دم أريق من أجل الخلاص، ومامن خلاص! ففي أي درب تمشي وأهوال نفسك تحيطك من كل الجهات؟! ترغب بلحظات تستطيع فيها لملمة نفسك المتشظيّة، تصنع فنجاناً من القهوة وتجلس على ركام الذكريات، تستعيد لحظات كنت تشعر فيها بالطمأنينة، تستعيد الوجوه التي رافقتك سنين تسللت من بين أصابعك كالسراب، بعضهم لم يعد له اليوم إلا الذكرى، ضمّت أجسادهم قبور وارتاحوا، وبعضهم هاجر وبعضهم غاب. أصبح السخف مجللاً أيامنا، كالوهم كانت أيامنا ونبتغي أحداثاً ملموسة نستعيد فيها ولو بعضاً من فرحنا، حتى الفرح أصبح تقسيطاً غير مريح..تتقوقع على نفسك، تسألها كيف الخروج من هذه العزلة؟! أيكفي عام أم عامان أم مئة عام؟! مئة عام لاتكفي للخروج من عزلة السأم التي أوقعنا فيها جهلة مارقون..لم يفكروا إلا بنهش الكثير من الأجساد والأموال والذكريات..
هكذا كان يحدثني وأنا أنظر إليه صامتة، أنظر في ملامح وجهه، أحاول الإجابة على سؤاله: كيف بإمكاني الخروج من العزلة؟! واسترسل يحدثني عن ماضيه وذكرياته وأيام السعادة التي ولّت، حتى وصل إلى النقطة الجوهرية في كلامه، في معنى كلامه، في الجوهر الذي ربما لم يلتفت إليه وهو يغوص في كل هذه الخيبة: تركتني ومضت وتركت فراغاً هائلاً لا أستطيع ردمه!
ومن ثم عادت.. وأصبت بالدهشة من عودتها، لم عادت بعد مغادرتها؟! لقد أماتت كل شيء في داخلي وعادت تجلس على ركام مافعلت، أي مشاعر سأستقبلها بها؟! أمشاعر الحب الذي خنقته؟! أم مشاعر صداقة لم أحسّ بها؟!.
هكذا كان وهو يشرد قليلاً ويطأطئ رأسه بين فكرة وأخرى، وأنا أصيخ السمع لذبذبات صوته، لضحكته الساخرة مرة، ولجديّته مرات، حاولت إيجاد أكثر من حل له وكان يسدّ الأبواب جميعها، كأن لاشيء يستطيع حل مشكلة العزلة التي هو فيها..دع عنك كل مامضى وافتح قلبك من جديد، لعل القادم أحلى، هذا ماقلته له، نظر إليّ بكثير من ذهول، ثم نهض ومضى!.
رقم العدد ١٦٢٩١