فراشات القمامة ..وعمالة الأطفال..!

الجماهير/ محمود جنيد

نظرت والقلق بعينيها .. تتأمل ” موبايلي” الممشوق..
وكأنها ..! تقول : ياعم لا تفعل ، فالشقاء علينا هو المكتوب.؟!
اربكتني تلك السمراء التي يشوب البؤس طفولتها، بل و أفزعتني تلك النظرة الحادة، التي أرغمتني على إسدال كاميرتي ، مجهضة محاولتي توثيق إحدى صور الواقع الناطقة..!
لكن تلك التجربة، ثبتت يقيني بأن هناك شريحة من أطفالنا أكبادنا كما ندعي شِعراً ، لم تعد تمشي على الأرض، بل تتسلق الحاويات وتتوغل داخلها لتنبش في القمامة السقيمة أصلاً في ظل الوضع المعيشي الراهن، لتعود بما تيسر من غنائم بقايا الكرتون و البلاستيك وما إلى ذلك، لتقديمها قرباناً لمشغليهم ومن بينهم أهالي امتهنوا هذه المهنة، وهو ما تأكدنا منه بعد الاستقصاء، لتكون الخطوة الثانية هي الفرز في مستودع خاص، قبل بيع تلك البضاعة التي يسيل منها عرق الأطفال إلى معامل خاصة لتعيد تدويرها كما ذكر لنا أحد الأشخاص المتعاملين بهذا النوع من الأشغال الرائجة حالياً وبصورة لافتة. !
لم تكن تلك الفتاة التي يتم استغلالها بعمالة الأطفال، كما نماذج أخرى يشيح المجتمع الغارق بمستنقع الظروف بأنظاره عنها، لم تكن لوحدها بل كانت على رأس مجموعة أطفال من الجنسين وبعضهم دون السابعة من العمر، رصدناها في المرة الثانية ، ونحن في طريقنا إلى مهمة عمل في ملعب الحمدانية يوم الجمعة الماضي بعد أولى شاهدنا فيها مجموعة أخرى كانت تحوم كفراشات “ملطعة ” حول مصدر الرزق الحارق الذي دفشها إليه واقع مجتمعي تقع تلك الفئة المهيضة الجناح منه تحت وطأة الاستغلال، دون حساب للعواقب المستقبلية على المستوى التعليمي والنفسي و الأخلاقي الشخصي، والعام كون الطفل هو اللبنة الأساسية لبناء الأوطان.
وثبتت الرؤية في نفس هذا اليوم وكأن القدر ساقنا لنسلط الضوء على موطن العتمة هذا، عندما التقينا طفلاً لم يتعدى العاشرة من العمر، أرسله “معلمه” ليشتري له علبة سجائر، ليوضح لنا بعد السؤال بأنه ترك المدرسة ليعمل في “كار” النجارة، تأسياً بابن عمه وبعض رفاقه من الجوار، وأردفنا بسؤال آخر عن السبب وراء تركه المدرسة دون أن يتعلم القراءة و الكتابة كأضعف الإيمان، فأجاب بأن الفقر و الظروف المعيشية الصعبة دعت أهله لإخراجه من المدرسة، وأضاف بثقة: وماذا سأفعل بالشهادة التي لا تطعم خبزاً ( هكذا أقنعه الوالد)، وتحول هنا إلى وضعية الهجوم وسألني ماذا تعمل و كم تقبض في الشهر، ورسم ابتسامة صفراء على وجهه بعد أن علم بأن مستحقاتي الشهرية كاملة يتحصل عليها خلال أسبوعين، و ألقى نجار المستقبل عبارته الأخيرة ( التي لقمته إياها البيئة التي يعيش في محيطها ،أو ربما الواقع الذي لم يعد خافياً على صغير أو كبير) علينا قبل أن يرحل: ( الموظف عيشتو حرااام)..!!
تداخلت الخيوط وتعقدت، دون أن نأخذ منها بساطاً أحمدياً نوصل فيه فكرتنا الأساسية، وهي أن ذلك النموذج الذي سقناه من الأطفال المُستغلين بالعمالة غير القانونية، باتت الرياح تهب عليهم ونحن متغافلين عنهم، وعيوننا غارقة في الاغماض، فهل نفتحها قبل فوات الأوان.؟!!
رقم العدد 16297

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار