الجماهير/ بقلم حميدي هلال
” العندية ” ليست صفة سلبية مطلقة ، وإن كانت كذلك فهي سلبية إلا في هذه الحالة ، فالعندية مطلوبة لمواجهة من يريدون لنا أن نخرب بيوتنا بأيدينا ، عاند عدوك حتى لو استنزفت نفسك وأسرتك ، وفوت عليه لحظات الحسم للانتصار عليك واغتصابك .
أنت تعيش اللحظات الأخيرة لحسم المعركة ، إن منحت الفرصة الأخيرة لعدوك فأنت تساعده على اقتحامك وانت في عقر دارك ، فالربع ساعة الأخيرة أو ما يسمى اصطلاحا لعبة عض الأصابع أو اللعب في الوقت الضائع وفق المفردات الرياضية ، هو وقت قصير الدقائق والثواني ، لكنه يمثل الفرصة الذهبية في تحقيق ولادة الفوز والانتصار وحسم اللعبة لصالح الفريق الأقوى.
هي ليست لعبة بالمعنى الدقيق للكلمة ، إنما هي خطة مدروسة لها ثمنها ، في الحروب لا يوجد لعب ، فالحرب ليست لعبة ، هي ذات أهداف ونتائج وثمار .
اليوم يتم استغلال الوقت بكل دقائقه وثوانيه ولحظاته ، ويتصاعد حجم التجييش الاعلامي بكل ألوانه لخلق حالة لا وعي تقود الى الهلوسة والهذيان والترنح لدى المواطن السوري تمهيدا لتغييبه قبيل انطلاق موعد الاستحقاق الرئاسي الذي بات وشيكاً ، والمحور الذي يشكل الحامل الأساسي والعنوان الرئيس للحملة هو استهداف الوضع المعيشي للمواطن ومحاولة تخريب الوعي الجمعي وتشويه قيمة الصبر الإيجابي الذي يعقبه انتصار محتم وتحويله الى صبر سلبي غير مأمول النتائج او الفائدة المرجوة منه ، وذلك هو التعتيم المبرمج وتغليف الوعي بسحابة دخان لمنع الرؤية الحقيقية .
لكن …وحدهم من يؤمنون أن ” الوطن قضاء وقدر ” هم فقط يدركون أنه بيت وأسرة ، يجري عليه ما يجري من خير وشر ، يدركون أن الوطن ليس جنة خالصة ، ولا هو نار صرفة ، يضيق ويتسع ، يخصب في سنين، ويجدب في سنين أخرى ، هذه طبيعة القضاء والقدر ، ويتوجب علينا أن نقبله بحلوه ومره ، فلا نكون كمن طابت معيشته فيقول: إن الوطن أكرمني ، وإذا ما ابتلي برزقه وضاقت معيشته يقول: إن الوطن أهانني ، فيحزم أمتعته هارباً من الوطن ، وكأنه يفر من قضائه وقدره ..
هو ذاك الوطن.. قضاء وقدر.. ومن لا يؤمن به ، فهو لا يؤمن بأن ما نمر به من ضيق العيش وشدة المعيشة هو حالة خلقت بفعل فاعل يراد منها ” تخريب بيوتنا بأيدينا ” وهو اختبار سرعان ما يزول ثم يعقبه اليسر والخير والرحابة إن هو آمن وصمد .
من حقك أن تتبنى وجهة النظر التي ترتضيها في حضرة الوطن ، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار أن ما يقضى به لا بد أن يكون أعلى منك، وخارج عن إرادتك ، وأن قدرتك على نقد أحكامه -أو أقداره بعبارة أخرى- مسألة ليست في يدك ، ربما تغضب أو تحنق، لكنك في كل الأحوال مطالب بالتسليم والانقياد لظروف الوطن وأحكامه ، التي هي بمثابة أحكام قضاء وقدر ، ولو أنك تبرمت أو تمردت فعليك أن تفهم أنك على موعد مع الضياع .
فلا تشغل نفسك كثيراً ، لأنك لن تفهم الحكمة العليا وراء ما يحدث، حتى ولو أدت هذه الحكمة بعد ذلك إلى هز الواقع الذي تعيشه، أو ابتلاء أهله بما لم يسبق لهم أن ابتُلوا به.. فما تظنه بلوى وراءه قضاء ، وما تتصور أنه مصيبة وراءه قدر! كن عنيداً صلباً واجعل من الوقت الضائع فرصة لهزيمة عدوك قبل أن تجعلها فرصة لفوزك .
رقم العدد 16299