صناعة الغرابيل … مهنة تتميز بالدقة وتواجه شبح الاندثار

الجماهير – عتاب ضويحي

مهنة صناعة الغرابيل والمناخل واحدة من الصناعات التقليدية القديمة في مدينة حلب، وباتت كسائر أخواتها محدودة الانتشار بسبب قلة الطلب عليها.
في إحدى زوايا باب الحديد يجلس العم أحمد أبودان 60 عاماً في محله، يحتضن غرباله بحب وشغف، يكوره تارة، ويضغطه تارة أخرى، ينظر إليه بإعجاب شديد بعد أن ينهي كل مراحل تصنيعه، يضعه جانباً ويبدأ بعمل غربال جديد.
” الجماهير ” التقت العم أبو دان وتحدثت معه عن مهنته التي تواجه شبح الاندثار وبدأ بالقول : بدأت العمل في العاشرة من عمري، وكانت البداية في سوق الزرب إذ كنا نتعلم صناعة العلب الخشبية الخاصة بالحلويات واللبن وغيرها، لكن مع منافسة العلب البلاستيكية اتجهنا لصنع الغرابيل.
وعن مراحل التصنيع أوضح أبو دان بأن هذه الصناعة تمتاز بدقة مقاييسها المحددة التي لايمكن للحرفي تجاوزها، فبعد تحضير القوس الخشبية المصنوعة من خشب الكزبرينة الموجود في غابات اللاذقية وطرطوس، هذه القوس تعتبر الحاضنة للشبك المعدني يجري تسليكها بشكل طولي وعرضي مثبتة بالمسامير ، بحيث تتكون لدينا ثقوب بأقطار هندسية متعارف عليها لتمرير ذرات دقيق القمح وتحجز الشوائب، حالياً الأسلاك جاهزة “التيلة” نلفها على القوس الخشبية ونخرزها بخرازة خاصة.
تعود الذاكرة بالعم أحمد كثيراً إلى الوراء فأردف يقول : قبل الأسلاك كان “القرباط” يصنعون الغرابيل والمناخل من أمعاء الخراف “الطاقة” بعد تنظيفها يقومون بتظفيرها ثم يصنعون ثقوب الغربال منها، لكن الثقوب غير متساوية الحجم والقطر، وفي الوقت نفسه تتميز بطول عمرها.

أما أنواع الغرابيل فكما بيّن أبو دان أنها بعدة نمر”8،16، 22″وكل قطر لنوع معين من المواد “برغل، طحين، عدس، حمص، شعير، فول” كما تستخدم في البناء “الزريقة” للحصول على “النحاتة” الناعمة.
وحول الإقبال على شراء الغرابيل قال أبو دان إن الطلب عليها بات ضعيفاً، فأكثر الراغبين باقتنائها من الأرياف نظراً لحاجتهم لها، ولكن الطلب حسب موسم الحصاد فقط، أما في المدينة فالطلب عليها فقط من محلات الموالح والحلويات، لأن المنازل استغنت عنها نهائياً مع وجود أدوات تصفية حديثة، ووجود مواد منتقاة جاهزة في الأسواق.
وكغيرها من المهن تواجه صناعة الغرابيل صعوبات خاصة أهمها كما أوضح أبو دان كلفة المواد غالية الثمن، إضافة لغلاء ثمن عدة العمل، والمؤرق الأكبر الكهرباء التي تؤخر الإنتاج كثيراً، إلى جانب ضعف التصريف نظراً لقلة الطلب.
العم أبو دان متمسك بمهنته التي تجري بعروقه حسب وصفه، رغم أنها تقدم دخلاً بسيطاً له في الوقت الحالي، ولا يستطيع التخلي عنها، ونحن بدورنا يجب ألا نتخلى عن حكاية من حكايات تراثنا العريق!!.
رقم العدد 16314

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار