استثمار الأزمة خيانةٌ ونقمة..

الجماهير / بقلم الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة

نتيجةً للظروف التي يمر بها وطننا الحبيب، نعاينُ الكثير من المُشكلات بل الويلات الاقتصادية وقد برزت فئة من الناس الانتهازيين الذين صعدوا على أكتاف الأزمات ليتوصلوا إلى ما يريدون من غايات مادية، أتقنوا استثمار المحنة واستغلال الأزمة فامتلأت منها الجيوب والخزنات وارتفعت بسببها الأرصدة في البنوك.
وليس هذا الأمر بخافٍ على أحد، وباستعراضٍ بسيطٍ وسريع لبعض الحالات نستطيع أن نُسلّط الضوء على مراتع الاستغلال وأهله ففي مجال المحروقات مثلاً نجد أن الحكومة قد طرحت للناس من هاتين السلعتين، غير أنها وبطبيعة الحال قد طرحتها عبر الأقنية المعروفة والتي اعتاد المُستهلك على أخذ حاجاته منها، ولكن صرنا نرى أن تلك المواد بطريقة أو بأُخرى ذهبت الى ما يُسمى بالسوق السوداء والتي تُباع بها السلع بسعرٍ مضاعف عن السعر الذي حددته الحكومة، فمن أجل أن تحصل على المازوت لا بدَّ أن يكون لك معارف من أفراد السوق السوداء – المُتفحِّمة – فوجدنا بفضل هؤلاء المتاجرون أن المازوت أصبح صعب المنال والغاز ليس بالإمكان الحصول عليه إلا بشِق الأنفس، والتيار الكهربائي ينقطع بسبب الضغط الكبير عليه وهكذا.. .
من ناحيةٍ أُخرى نستمع إلى أخبار الاقتصاد وأن سعر صرف العملة الأجنبية قد ارتفع سعرها بمقابل الليرة السورية فنذهب في اليوم التالي إلى المتجر (سمان، سوبر ماركت، مول، …) لنشتري سلعة غذائية فنفاجئ بأنه قد ارتفع ثمنها أضعافاً، وعند سؤالنا لماذا يخبرنا ذلك التاجر (الناجح، الحاذق، الفهيم) بأنه قد ارتفع سعر الصرف!!!
هل يُعقلُ أن ذلك التاجر ومن ورائه الذين يوردون له البضائع قد تأثروا فوراً بذلك الارتفاع؟ هل يُعقل بأن تلك البضائع الموجودة على الرفوف بل وتلك الأطنان من البضائع المُكدّسة في المخازن والمستودعات والتي اشتراها أصحابها بسعرها القديم قد انقلبت فواتير رأس مالها بقدرة قادرٍ إلى سعرٍ يناسب ارتفاع الصرف للعملة الأجنبية؟! ثم ماذا عن البضائع الوطنية أي التي هي من إنتاج الوطن من ألِفها إلى يائها هل تأثرت هي الأُخرى بذلك الارتفاع؟ أم أن المسألة هي الطمع، والجشع وفقدان الضمير، واستثمار الأزمات، إن الأمر واضح وضوح الشمس في رابعة النهار. وبالتالي لا بدَّ من وجود آلية سريعة وإنقاذيه للحلّ.
نُذكِّرُ أولئك القوم الذين يستغلون حاجة الناس، ويَسعدون بشقائهم أنهم لا يتعاملون مع أفراد فقط بل يتعاملون مع مُعيلهم ألا وهو الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الخلقُ عيالُ الله، وأحبّهم إليه أنفعهم لعياله )، وفي رواية أُخرى: (الخلق كلهم عيال الله وتحت كنفه فأحب الخلق إلى الله من أحسن لعياله، وأبغض الخلق إلى الله من ضَيَّقَ على عياله ) رواه أبو يعلى والبزار.
افعل ما شئت إن الله ذا كرمٍ … وما عليكَ إذا أذنبتَ من باسِ
إلا اثنتين فلا تقربهما أبداً … الشركُ بالله والإضرار بالناسِ
وكم سمعنا وقرأنا وشاهدنا أُناس يسلكون دروب الاستغلال فتكون عاقبة أمرهم خُسرا، وهذا الأمر واقع لا محال فمن ربح وجمع المال من استغلال وضرر للناس يذهب ماله دون فائدة كأن يُبتلا هو أو أحد أبنائه بمرض يبذل في سبيل الشفاء منه الأموال الطائلة، أو أن تُسلب بضائعه في مكان ما، أو أن تغرق، أو أن تُحرق وهكذا… وبالمُقابل فإن من يُراعي الله تعالى في تعاملاته فلا يحتكر ولا يغش ولا يستغل الناس فإن الله يبارك له ويزيده من فضله قال تعالى: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين أمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}[الجاثية:21].
على الجميع أن يطَّلع بمسؤولياته ويقدّم المعروف والخير للناس لا سيما في هذه الأيام قال تعالى:{وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } [المائدة:2]، وقال نبيُّ الرحمة صلى الله عليه وسلم: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) رواه مسلم.
فيا ربنا بارك لنا فيما أوليتنا من النّعم، وقيّض لنا تُجاراً صالحين وبارك لهم، آمن روعاتنا، وأصلح أحوالنا، وارقَ بمجتمعنا، واحفظ وطننا، واجعلنا من المُكرمين في الدنيا والآخرة يا أحكم الحاكمين وأعدل العادلين.
رقم العدد ١٦٣٢٤

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار