الجماهير / بقلم الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
معراج سيد خلق الله علمنا
معنى الصمود وأهدى رفعة الدين
أرسى بأنفسنا تحقيق قوتها
أبدى لواقعنا أسباب تمكين
لقد كانت معجزة الإسراء والمعراج رحلة تكريم وتعظيم لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعد أن أصابه ما أصابه من المشركين من إيذاء وحصار وكرب وابتلاء.
وهذه الرحلة العظيمة المباركة من أجلّ المعجزات التي تفضل بها ربنا تبارك وتعالى على سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم), ولقد تكرر ذكرها في القرآن الكريم في موضوعين، الأول: في سورة الإسراء والتي بدأها سبحانه:(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
والثاني في سورة النجم ، وينبغي على البشرية جمعاء أن تتعلم من هذه المعجزة العظيمة الدروس والعبر والعظات التي تحقق من خلالها انجازاتها الحضارية وتُرسي بها يقينا وإيمانا راسخا لا يتزحزح.
إنها دروسٌ كثيرة نستفيدها من هذه الرحلة النبوية المباركة منها:
الدرس الأول: المنح تأتي بعد المحن
حيث تعرض رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لمحن عظيمة وشديدة جدا ابتداء من إيذاء مشركو مكة له ووقوفهم عائقا في وجه الدعوة إلى الله تعالى. ووفاة عمه أبو طالب الذي كان مدافعا عنه أمام المشركين، وفقده لزوجته ومؤنس حياته السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ مرورا برحلته إلى الطائف وما لقيه من سادات ثقيف من الإيذاء.
أمام هذه المصائب ومع هذه المحن جاءته المنحة الربانية عبر رحلة الإسراء والمعراج ليكرمه سبحانه على صبره وجهاده ولكي يخاطبه دون واسطة ومن غير حجاب، ولكي يطلعه على عوالم الغيب دون الخلق أجمعين، وأكرمه بعد ذلك بأن جمعه بإخوانه من الأنبياء والرسل فصلى بهم إماما في المسجد الأقصى، ثم في السماوات سماء تلو سماء تلو سماء، فكان إشعاراً بأنه إمامهم وآخر الأنبياء على الإطلاق، وهذه نعمة عظيمة ومنحة كريمة ما وراءها منحة، وهي درس عظيم لكل من يتعرض لشدة أو تصيبه محنة أو كرب فإذا صبر وتحمل الشدائد فلا شك أن الله سيكرمه بالعطاءات الإلهية والمنح الربانية، وإن كل محنة وراءها منحة.
الدرس الثاني: زرع التصديق واليقين في قلوب الصحابة حيث ثبت مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في هذه المرحلة المؤمنون الصادقون، وظهر المنافقون على حقيقتهم. أمام هذه المعجزة العظيمة التي تحتاج ليقين لا تزعزعه الجبال.
الدرس الثالث: الجهر بالحق أمام أهل الباطل وإن تجمعوا ضد الحق وأهله وجندوا من أجل ذلك كل شياطينهم وكل وسائلهم.
ومما يستفاد منه أن على صاحب الحق لا ينبغي أن يجبن أو يخاف بل يصدح بحقه ولا يخشى لومة لائم. قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(إن لصاحب الحق مقالا)
الدرس الرابع: المحنة تكشف معادن الناس، فلقد ظهر بوضوح معدن الأوفياء من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمثال سيدنا أبي بكر الصديق فعندما أخبره المشركون بإسراء النبي ومعراجه قال بلسان واثق وقلب صادق :(لئن قال ذلك فقد صدق).
إن رحلة الإسراء والمعراج لم تكن لمجرد مواساة النبي صلى الله عليه وسلم وتسلية لقلبه الشريف بل كانت رحلة تضع لنا أسس كثيرة للتربية والتعليم وتجعلنا أكثر تنويرا للزمان وأكثر بناء للمكان وأكثر رقيا للإنسان.
فيا ربنا اجعلنا أهلا لتلك التجليات والدروس العظيمة، نور قلوبنا وانفحنا بعبير الذكرى. ذكرى الإسراء والمعراج.
رقم العدد 16338