حالتنا “صارت فلافل”!

* محمود جنيد

أقفلنا دكان الكلام بعد الغروب، وأعدنا القلم الفائر إلى غمده، مترجلين عن كرسي السلطة الرابعة، تأهبا للقاء الواقع المظلم الذي يمتد من مفرق تفاصيل الحياة وضنك المعيشة، مرورا بشارع المتحف المؤدي الى ساحة السيرفيسات في باب جنين حيث العتمة تكلل الطريق وتجعلك تتلفت حولك خوفا من مجهول طفران ” يقللبك” او خَيّالة دراجة نارية يسلبونك.

تنظر خلفك وتتساءل ما الفرق؟ إن هي إلا أمتار بين أنوار شارع بارون وعتمة شارع المتحف غير المخدم بأعمدة الإنارة رغم أن الرواق الأيمن ينتصب فيه مبنى القصر البلدي، ومجرد نظرة من أحد قاطني غرف المسؤولية هناك صوب بقعة السواد الحالك قد تفي بغرض الإقرار بضرورة إنارة المكان!

نواصل المسير المضطرب الذي يداهمه كابوسنا اليومي، جموع غفيرة مثقلة بأعباء يوم العمل المضني في محطة الانتظار المكتظة، تنتظر في العتمة وسيلة نقل تقلها إلى شواطئ الراحة الافتراضية (منازلها)، ومع إقبال أول “سيرفيس” من بعيد تبدأ المعركة اليومية المحتدمة للحصول على موطئ فيها على طريقة لعبة “الرجبي”.. تراكض محموم وتدافع مسعور سعيا لتحقيق هدف الصعود، الذي يصطدم بتحية المساء المعتادة لسائقي السرافيس، وهي أيماءة باليد تفسيرها “مالي طالع”، وهي تشبه تحية الصباح المكدر “مو رايح ..عندي طلاب مدرسة، عمال ..دور كازية .. مو واصل لآخر الخط)!

وبعد طول” شنططة ومرمطة” تفرج أخيرا بوسيلة ليس بالضرورة أن تقلك الى وجهتك تماما، لكنها أرحم من الانتظار الذي يحرق الدم، لتبدأ بسماع الموشحات اليومية المعتادة وأنت في ذلك المحشر الذي يشبه “قطرميز المخلل”، عن جنون الأسعار وجشع وفحش التجار، والتضخم المهول في سعر الصرف، والتنبؤ بالأعظم من سوء الأحوال مع حلول شهر رمضان، أما جديد الأحاديث فهي التندر بتلك القفزة العالية لأسعار المشتقات النفطية والغاز المنزلي، في حين مازالت الرواتب كالسلحفاة البليدة ترواح في مكانها على الرمال الكاوية.!

بعد تلك الحفلة، والنزول من عنق”القطرميز” صادفنا عرس آخر أحيته سيدة داخل إحد محلات تجارة الأحذية حيث قامت “بتغسيل وتمشيط” صاحب المحل ناعتة إياه بأنه ومن لف لفه من تجار الأزمة الذين يستحقون “الفرم” حيث تتضاعف أسعارهم بين ليلة وضحاها دون ان تبارح البصاعة رفوفها..

وعلى بعد أمتار علت أصوات أحد أصحاب الدكاكين طالبا القصاص من حيتان الاموال وكبار التجار، ليؤكد له الموزع بأن ارتفاع تسعيرة كيس السكر عشرة آلاف ليرة في ظرف 12 ساعة ليس بيده، وهو مجرد موزع!

المشهد الأخير أمام “كاشير”محل الفلافل الشهير في حي صلاح الدين، إذ أصابت “العامل العادي” كما عرف عن نفسه حالة من الهيستريا عندما علم بأن سعر قرص الفلافل الواحد 125 ل.س، ليُحَرّم على نفسه وعائلته التي تنتظر الوليمة أكله، مردفا بالقول إذا كان الجوع كافر، فسأقتله بتناول رغيف “حاف”، وأدعوا بسوء العذاب على مدعي الإنسانية والحضارة الذين أوصلونا إلى هذه الحال.!!

رقم العدد 16347

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
احتفالاً بيوم الطفل العالمي.... فعالية ثقافية توعوية  لجمعية سور الثقافية  جلسة حوارية ثانية: مقترحات لتعديل البيئة التشريعية للقطاع الاقتصادي ودعوة لتخفيف العقوبات الرئيس الأسد يتقبل أوراق اعتماد سفير جنوب إفريقيا لدى سورية الشاب محمد شحادة .... موهبه واعدة مسكونة بالتجارب الفنية تهدف لإنجاز لوحة لاتنتهي عند حدود الإطار ال... حلب تستعد لدورة 2025: انطلاق اختبارات الترشح لامتحانات الشهادة الثانوية العامة بصفة دراسة حرة خسارة صعبة لرجال سلتنا أمام البحرين في النافذة الثانية.. وصورة الانـ.ـقلاب الدراماتيكي لم تكتمل مساجد وبيوت وبيمارستان حلب... تشكل تجسيداً لجماليات الأوابد الأثرية على طريقة أيام زمان ... معرض 1500 كيلو واط يعود إلى عصر" النملية " في عرض منتجات الطاهية السورية تعبير نبيل عن التضامن : شحنة مساعدات إنسانية من حلب إلى اللاذقية دعماً للمتضررين من الحرائق مؤسسة الأعلاف تحدد سعر شراء الذرة الصفراء من الفلاحين وموعد البدء بالتسويق