الجماهير / بقلم الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
يا نجمةً تعلو سماء الأنجُمِ
نبع العطا بحرُ الحنان الأرحمِ
أمي التي عانت وربّت، حبّها
أبداً سيبقى في حنايا الأعظمِ
الأم هي أعظم مخلوق على وجه الأرض، فهي نبع الحنان والحب وأصل العطاء والكرم، تُعطي دون أن تنتظر مقابل، وهي الأمن والأمان، وهي أوسط أبواب الجِنان لذلك فقد أعطاها الله تبارك وتعالى مكانةً عظيمة عند كل الشرائع السماوية وأمر بطاعتها والإحسان إليها وبرها،
فلا نجد ديناً من الأديان إلا وللأم والأب مكانة عظيمةً في تعاليمه، ومنزلةً عالية عند من يلتزم تلك التعاليم.
بل وأبعد من ذلك نرى أن بر الوالدين والإحسان إليهما من الأخلاق الفاضلة التي اتفق عليها سائر أفراد البشرية بغضِّ النظر عن أفكارهم وعقائدهم وإننا لنجد هذه القيمة في سائر المخلوقات وليس في البشر فحسب.
لذلك فقد حضّ الإسلام على بر الوالدين قال تعالى في سورة الإسراء: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)
وشدد تبارك وتعالى على الإحسان للوالدين لا سيما الأم حيث جعل لها الأولوية في مقام البر والإحسان، فقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك) قال: ثم من؟ قال: (أمك) قال: ثم من؟ قال: (أمك) قال: ثم من؟ قال: (أبوك) رواه الشيخان وفي رواية أخرى صحيحة: قال: من أبر؟ قال: (أمك) قال: ثم من؟ قال: (أمك) قال: ثم من؟ قال: (أبوك) ثم الأقرب فالأقرب).
ولعلّ السبب في هذا الامتياز، أن الأم تعاني أكثر من الأب بما انفردت به من الحمل والوضع، والفطام والحضانة والتمريض والمعالجة، والتنشئة الأولى، ولذلك فقد بيّن ربنا تبارك وتعالى في القرآن الكريم تلك الحال فقال الله جل من قائل: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير)-صلى الله عليه وسلم- (لقمان: 14]. ويقول نبي الرحمة ورسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم: (رغم أنف رجل أدرك عنده أبويه فلم يدخلاه الجنة)
وإذا كان للأم يوم في السنة عند الغرب يحتفلون بتكريمها فيه وهو يوم ابتدعوه ليجبروا ما تفكك من أسرهم، ويغطوا ما ظهر من عقوقهم، فإننا في ديننا وفي وطننا مهد الديانات كل أيام السنة أحتفالاً واهتماماً بالأم
بيد أنه لا يوجد مانع شرعي لمن أراد أن يحتفي ويحتفل بأمه ويقدم لها هدية في هذا اليوم شريطة ألا يكون مُقلداً للغرب، وأن يكون باراً بأمه في سائر أيام العام وليس هذا اليوم فحسب، وألا يعتقد أن هذا اليوم عيد ديني، بل عليه أن يعلم أنه نشاط اجتماعي ومناسبة إنسانية، تعكس حالة البر للأم وتُرسخ لتلك الفريضة الإسلامية.
نعم إن بر الوالدين فريضة لا ينبغي التهاون بها والاكتفاء بتقديم هدية أواهتمام في هذا اليوم فقط.
ولعل من المبشرات ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:( فليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار، وليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة ) رواه الديلمي .
وأخيراً ما أحرانا أن نكون بررةً بأمنا الكبرا وطننا سوريا التي نشأنا فيها وتنسمنا هوائها وأكلنا من خيراتها وترعرعنا في جنباتها.
اللهم احفظ الأم بكلّ معانيها ، واجعلنا بررة بها يا رب العالمين.
رقم العدد 16351