الاستحقاق الرئاسي بين الواجب الديني والواجب الوطني

الجماهير / بقلم الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة

بعد ما يزيد على العشر سنوات من الحرب وبحر الألم وغيوم التشاؤم؛ ونحن في كهف الحصار الاقتصادي الخانق يقف شعبنا العظيم أمام استحقاقٍ تاريخيٍّ هام هو الانتخابات الرئاسية؛ وظهرت في صفوف الناس من يتساءل عن الحكم الشرعي للعملية الانتخابية، فوجدتُ نفسي مُلزماً بالإدلاء بما توصل إليه البحث العلمي في هذه القضية ولو باختصار فأقول:
لعلّ أهم الأسس التي يدرسها الباحثون في علوم الشريعة الإسلامية هو صلاحيّة هذه الشريعة لكلّ زمانٍ ومكان، ذلك أن لها في كل واقعةٍ حكماً، وفي قواعدها وأصولها بيانٌ لكل المشكلات، وحلٌّ لكل المعضلات. ولا زال الناس عبر الزمان بحاجةٍ لبيان الحكم الشرعي لكل الوقائع والمستجدات.
ومن ضمن القضايا الفقهية التي كَثُرَ التساؤل عنها في العصر الحاضر قضية الانتخابات فهي طريقةٌ معاصرة توصل السالك فيها إلى مراكز القرار السياسي كرئاسةٍ أو برلمان أو غير ذلك.
وقد رأينا انتشار هذه الطريقة في عصرنا في جنبات العالم وعُمِلَ بها في كثيرٍ من أقطار بلادنا العربية والإسلامية.
وفي عُجالةٍ تليق بهذا المقال نقول: أن هناك تخريجاتٍ شرعية عديدة وحججاً قويّة لقضية الانتخابات وهي من عدّة اعتبارات أذكرها على النحو التالي:
1. أن الانتخابات شهادة من الناخب، وهذا ما ذهب إليه كثير من الفقهاء المعاصرين.
2. أن الانتخابات وكالة، فالانتخابات توكيل من الناخب للمرشح لينوب عنه في ممارسة الولاية، وإليه ذهب بعض الفقهاء المعاصرين أيضاً.
3. أن الانتخابات تعبير عن إرادة الناخبين في أن يتولى حكمهم شخص وهذا يشبه البيعة الإسلامية فهما متشابهين من حيث أن كليهما مبني على الاختيار وعلى رأي الأغلبية، والخلاف البسيط بينهما هو أن البيعة تتم بين الإمام والرعية، تلتزم الرعية فيها للإمام بالسمع والطاعة، ويلتزم الإمام برعاية حقوهم. وتتم البيعة باجتماع أهل الحل والعقد واختيارهم أفضلَهم وأصلحهم للإمامة، ويلزم الناس بعد ذلك على مبايعته والسمع والطاعة.وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، و من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) رواه مسلم.
4. أن الانتخابات من قبيل الشورى قال تعالى: {وشاورهم في الأمر} [ آل عمران: 159] حيث تتولى الانتخابات الرجوع إلى قاعدة واسعة من الشعب لمعرفة اختياراتهم وهذا يجعل فيها شبهاً من الشورى.
هذا وقد اتفق العلماء على جواز الانتخابات والمشاركة فيها، بل وأزيد أن تنصيب حاكم للبلاد من أهم الواجبات لذا تجب المشاركة في الانتخابات الرئاسية لكي لا تُترك البلاد هملاً لا يسوس شؤونها إلا الرعاع، وهناك أدلة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم تؤيد ذلك ففي بيعة النقباء حينما بايع الأنصارُ النبيَ صلى الله عليه وسلم على أن يمنعوه مما يمنعون به نساءهم وأبناءهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيباً يكونون على قومهم بما فيهم) رواه ابن حبان ووجه الدلالة : أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من الصحابة أن ينتخبوا اثني عشر رجلاً، ولم يحدد لهم طريقة الاختيار، أو يمنعهم من مشاركة عامة الناس، فدّل على صحة الانتخاب بالرجوع إلى عامة الناس. وهناك وقائع أُخرى كواقعة العرفاء في وفد هوازن وهي معروفة لدى من يقرأ السيرة النبوية الشريفة.
أدعو جميع أبناء وطني سورية إلى المشاركة بفاعلية في الاستحقاق الدستوري لانتخابات رئاسة الجمهورية والسعي الحثيث لإنجاحها لأنها تشكّلُ المعيار الأساسي للانتماء والوطنية والمواطنة والدفاع عن القرار السوري المستقل فهو واجبٌ دينيٌ وواجبٌ وطنيٌ.
واجب ديني: لما أسلفتُ من أدلة شرعية، وواجب وطني: لأنها منعطفٌ مهمٌ في تاريخ سورية الحديث، لنختار المُرشح الأقدر على حمل الأمانة؛ والأقدر على محاربة الإرهاب، الذي يملك الحكمة والمقدرة على إدارة الأزمات ومواجهة التحديات الدولية والإقليمية، والقادر على السير بالشعب وبمؤسسات الدولة إلى بر الأمان والازدهار، لننتخب الشخص الذي يجمع في شخصيته مقومات الإنسان السوري المثقف الواعي المبدع الشجاع الحكيم الطموح المؤمن بحضارة سورية ودورها وإمكاناتها للنهوض والتجدد، الشخص الذي يشكل الضمان للوحدة الوطنية والذي سيقود مرحلة الإعمار. لننتخب صاحب الرؤية الاستراتيجية؛ صاحب المشروع الإصلاحي ليكمل مسيرة بناء سورية الحديثة؛ لننتخب الشخص الأمين على ثوابتنا الأخلاقية والوطنية والقومية والمحافظ على هويتنا وموقعنا في محور العزّة والإباء محور المقاومة.
فيا أبناء وطني أناشدكم:

كَفى كَفى ما مَضى مِمّا أَضرَّ بِنا..
مِنَ التَفَرُّقِ وَلنَرجع كما كُنا

الحَقَّ قلتُ وَلا أَخشى ملامتكُم..
فالحقُّ إن ضاع عمداً بيننا ضِعنا

فإن تَرَوا أن تُعيدوا مجدَ سالِفِكم
وَأن تصونوا به أعراضكُم صَونا

فلتقتدوا بهداةٍ منكمُ شهِدت..
بفضلهم وتقاهم سيرةٌ حَسنا
رقم العدد ١٦٣٨٤

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار