بقلم: الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
جميعُ الكون بالإحسانِ قامَ…
وكلُّ حضارةٍ وعُلاً تسامَا
فمن نهجوا به الدنيا سلوكاً…
فقد حازوا على خيرٍ دوامَا
ما أحوجنا في هذه الأيام المباركة إلى إحياء معنى الإحسان في حياتنا ذلك المقام الرفيع الذي يجعل من الخلق بأمثل حالٍ، فهو روح الإيمان وهو قيمةُ عظيمة ليس على المستوى الديني فحسب بل على المستوى الدنيوي أيضاً؛ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) رواه مسلم. وكلما كان المرء ملتزماً بسلوك الإحسان كانت دنياه صالحة وآخرته ناجحة، يقول الله تعالى }هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}[سورة الرحمن :60]،
وإذا أردنا أن نطّلع على ورود أصل كلمة الإحسان اللغوي “حسن” وتصريفاته في القرآن الكريم فسنجده ورد سبعاً وثلاثين مرة جميعها تحمل معنى الخير والصلاح.
والإحسان في السلوك يكون على ثلاثة وجوه تشمل جميع مناحي الحياة وتسبر أغوار الكائنات الذين يحيون فيها: إحسان بالنية، وإحسان القول، وإحسان العمل. وهي تشمل جميع علاقات الإنسان سواء مع نفسه أو مع خالقه أو مع الخلق.
فالإحسان بالنية: هو الإخلاص لله تعالى في سائر التصرفات قال تعالى: { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاَءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } [الكهف: 110] فلا نبتغي من الفعل الذي نقوم به إلا وجه الله تعالى.
وقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فقال: ( الاحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فأنه يراك ) رواه البخاري. فإذا لاحظ المرء هذا المعنى من الرقابة الإلهية على تصرفاته فإنه سيقوم بالعمل على الوجه الأمثل والأكمل.
والإحسان بالقول: هو استعمال اللسان بالخير للإصلاح بين الناس وبناء جسور المحبة مع الآخرين وقد أمر الله تعالى عباده أن يتخيروا من الألفاظ أحسنها، ومن الكلمات أجملها في أثناء حواراتهم مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم، والقول الحسن داع لكل خُلقٍ جميل وعملٍ صالح؛ فإن من ملك لسانه ملك جميع أركانه، قال تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً} [سورة الإسراء:53]، إذ الكلام مكتوبٌ ومحفوظ في صحيفة أعمال الإنسان يقول الله عز وجل: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [سورة قّ:18]،
والإحسان بالقول ليس مقتصراً على المسلمين فيما بينهم بل مع كل الناس كائناً من كانوا قال تعالى:{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [سورة البقرة: 83]
الإحسان بالعمل: وهو اتقان العمل وتأديته على الشكل الأمثل وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) رواه الطبراني، ذلك أن الإحسان بالعمل سبيل إلى انتشار الرضا في القلوب وهو ترجمة لإحسان النية وتحصيلٌ لإحسان القول.
قال تعالى: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين}[سورة فصلت:33] إن الدعوة لتَمَثُّل صفة الإحسان في المجتمع تتخطى كلَّ الخلافات وتتجاوز كل الفوارق العقدية، فالإحسان مطلوب لدى كل المخلوقات، وعلى المرء أن يحترم المحسنين لأنهم:
• موطن محبة الله تعالى حيث قال سبحانه:{والله يحب المحسنين}[آل عمران:134]
• متمتعون بمعية الله سبحانه حيث قال عز وجل:{إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}[سورة النحل:128]،
• ينعمون بدرجة القرب من رحمة الله تعالى قال جل من قائل: {إنَّ رحمتَ اللهِ قريبٌ من المحسنين}[سورة الأعراف:56]
• موعودون بأن لا يُضيع الله سبحانه أجورهم إذ قال تبارك وتعالى: {إنَّ الله لا يُضيعُ أجرَ المُحسنين}[سورة التوبة:120]
• مبشرون بالزيادة في الخير فقال: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[سورة يونس: 26]
• مجزيون بالجنة بما قدموا قال تعالى:{فأثابهم الله بما قالوا جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاءُ المحسنين}[سورة المائدة:85]
فيا ربنا اجعل الإحسان رفيقاً لنوايانا وأعمالنا وأقوالنا، واجعله سلوكاً دائماً لكلِّ إبناء وطني ولكل البشرية جمعاء يا أكرم مسؤول.
رقم العدد 16388