بقلم || الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
كُمْل الحضارة بالنظافـة والنَّقا..
من قال إن الرِّجْسَ يؤذن بالبقا
فكن النظيفَ بكلِّ ما أوتيت..
لا تكسل فطُهرُك للمعالي سابقا
لا بدّ أن نتحدث عن النظافة كرافعٍ ودافع للمجتمع نحو الأفضل ولذلك فلقد رَغّبَتْ جميع الأديان بالنظافة كأساس مهم من أُسس الحياة، وجعل الإسلام المبالغة فيها من أُسس الدين وقواعده التي يُبنى عليها الكثير من العبادات. فسمّاها الطهارة وأخبر ربنا سبحانه أنه يُحب أهل الطهارة إذ قال: {والله يحب المطَّهرين } [التوبة:108]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ، فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ ولا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ ) رواه الترمذي، وفي روايةٍ أُخرى للإمام أحمد قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله جميل يحب الجمال، سخي يحب السخاء، نظيف يحب النظافة، ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها، ويحب أن تُرى أثر نعمه على عبده، ويبغض البؤس والتبأس).
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً شعثاً فقال: أما كان هذا يجد ما يسكن به شعره. ورأى رجلاً عليه ثياب وسخة فقال: أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه ) رواه ابن حبان.
وقال صلى الله عليه وسلم ( طهروا هذه الأجساد طهركم الله، فإنه ليس عبد يبيت طاهراً إلا بات معه ملك في شعاره، ولا يتقلب ساعة من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهراً) رواه الطبراني.
على أن النظافة ليست ممارسة عملية حسّية فحسب بل هي معنوية أيضاً يمكن أن يلحظها المرء في الأخلاق والمشاعر النفسية.
لذلك درج على ألسنة الناس في بلادنا عندما يصفون شخصاً قبيح الأخلاق بأنه ” وسخ ” ويصفون الحرامي المرتشي بأنه ” غير نظيف اليد” وهكذا في كل أمرٍ يمثل إساءةً للأخلاق والقيم يوصف بعدم النظافة.
لذلك حضَّ الإسلام على النظافة الحسية والمعنوية في آنٍ واحد، فقد أخبر الحديث الشريف عن العقوبة لكل من يتهاون بالنظافة في كلا النوعين حيث قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه الشيخان عندما مرَّ على قبرين: (إنهما ليُعذبان وما يُعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستبرئ من بوله) فنجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بدأ بالنظافة المعنوية فنبَّه إلى أن صاحب القبر يُعذَب لأنه فرّط بها من خلال ارتكابه لمعصية النميمة، ثم ذكر النظافة الحسيَّة بأعلى مستوياتها وهي الطهارة فذكر أن صاحب القبر يُعذَّب لأنه فرَّط بها أيضاً فقلَّت كرامته وأُهين.وقد قال صلى الله عليه وسلم أيضاً: ( من كرامة المؤمن على الله نقاء ثوبه ورضاه باليسير) رواه الطبراني. أي من كرامة الإنسان على الله تعالى نظافته الحسية المتمثلة بنقاء ثوبه ونظافته المعنوية المتمثلة بنقاء داخله من أوساخ الطمع؛ ولذلك أستحق أهل نظافة المعنى والمبنى محبة الله تعالى حيث قال:{إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} [البقرة: 222] يحب الذين نظفوا أنفسهم من الذنوب بالتوبة من أقذارها، ويحب الذين نظفوا أجسادهم من أوساخها بالطهارة من أرجاسها.
ولقد صرَّح رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بقيمة النظافة والطُّهر وحيّزه من الإيمان فقال فيما رواه مسلم: (الطهور شطر الإيمان) أي نصفه فإذا كانت النظافة الحسية هي نصف الإيمان فإن النظافة المعنوية هي النصف الآخر إذاً النظافة هي الإيمان كلّه ومصداق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ( تنظفوا بكل ما استطعتم، فإن الله تعالى بنى الإسلام على النظافة، ولن يدخل الجنة إلا كل نظيف ) رواه الطرسوسي.
نعم كما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم يدخل الجنة نظيف المظهر والجوهر؛ نظيف القلب واللسان؛ وهذا إن دل فإنّما يدلّ على اهتمام الإسلام بالنظافة كمعيار للإيمان، وكمعيار للرُقي، ومقياس للتقدم الحضاري لدى الأمم.
فيا ربنا أكرمنا بنظافة الظاهر والباطن وأكرم وطننا وشعبنا العظيم بالنظافة من كل رجس وبؤس وظلم وعدوان يا أرحم الراحمين.