الجماهير – عتاب ضويحي
نظر في المرآة مطولاً، وكعادتها في التواطؤ مع الذكريات جلبت له المرآة آلاف الصور، بدءاً من تجاعيد وجهه الذي أنهكته سنوات الوحدة، رجوعاً بدولاب الزمن إلى الوراء، حيث صوت ضحكات أولاده التي تدفئ المكان، ويعج بذاكرته صدى صرخاتهم، وبقايا كلمات مندسّة في سيل الصور الذي بقي يراود ذاكرته، ورائحة الطعام المنبعثة من مائدة الطعام التي أعدّتها زوجته بحب واهتمام، ليتنبّه فجأة إلى صوت مرافقه وهو يقول له: ياعم لقد أحضرت لك الطعام. ليقطعه عن سلسلة ذكرياته ويعيده إلى واقعه الذي انسلخ عنه برهة من الزمن شاء أم أبى، واقتنع بأن سنوات عمره التسعين لم تشفع له، وتبقي من أراد لهم البقاء بقربه، وبات الغريب أنيسه في وحدته بين جدران منزل كل ركن فيه متواطئ مع الصور القديمة والذكريات.
يعود لحياته يتنفس رائحة القهوة ويتجاذب مع وحدته أطراف الحديث والعتاب، صحيح أنه لايستطيع أن ينسى لأن النسيان خيانة لكنه أدرك أن الذاكرة تقتل أحياناً وفعلها كالخناجر، واعتاد على أن يهمس بأذن روحه مواسياً إياها “وحيد كورقة تنتظر السقوط”.