بقلم: الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
عظيمٌ هو الوقت الذي تحدث فيه أحداثاً عظيمةً، ذلك أنه قد اكتسب عظمته من تلك الأحداث، وهذا هو حال سائر الأشهر والأيام المباركة لدى كل الأديان والشرائع السماوية.
وفي شرعنا القويم كما في سائر الشرائع يوجد أيام مباركات ينبغي أن نذكّر بها وأن نغتنمها.
على أن الوقت أو الزمن المبارك يمكن تفصيلُ القول في قيمته على قيمتين: قيمة تاريخية وقيمة روحية.
أما القيمة التاريخية فتتركزُ في النفس من خلال تذكّر واستشعار الحدث الذي مضى في ذلك الزمان. قال تعالى : (وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبارٍ شكور) سورة إبراهيم:الآية 5
وأما القيمة الروحية فتتركزُ من خلال التعرض للتجليات والنفحات والأُعطيات الإلهية التي رافقت ذلك الحدث؛ إذ أن التجلي الذي نزل في ذلك الوقت المبارك يتكرر نزوله في نفس الوقت من كل سنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسام (ألا إنَّ لله في أيام دهرِكم لنفحات ألا فتعرضوا لها).
ومن هذه الأزمنة والأيام المباركة في تاريخ أمتنا شهر محرم ويوم عاشوراء حيث ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- شهر المحرم، وحث على الإكثار من الصيام فيه، وسماه شهر الله، وهذا يبرز شيئًا من فضائله وقيمته؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “أفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ المَكْتُوبَةِ الصَّلاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وأفْضَلُ الصِّيامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضانَ شَهْرُ الله المُحَرَّمُ”رواه مسلم.
وفي شهر محرم يوجد يوم عظيم مبارك هو يوم عاشوراء الذي حدّثنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ورد عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ، وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا، يَعْنِي عَاشُورَاءَ، فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى، وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ، فَقَالَ: “أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ” فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. رواه البخاري.
وفي حديثٍ آخر سُئل -صلى الله عليه وسلم- عن صِيَام يَوْمِ عَاشُورَاء، قال: “أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ” رواه مسلم.
وفي حديث آخر عن عَبْد اللهِ بْن عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قال: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ”، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. رواه مسلم.
لقد وجهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث عاشوراء إلى عدد من النقاط التي تُؤسس للتقدم الديني والدنيوي منها:
– احترام التاريخ الصحيح والأخبار المنقولة إلينا من الماضي واعطائها قيمتها.
– السرور بالأحداث الصالحة وتذكرها والإشادة بها.
– الدلالة على أن السرور بالنصر إنما يكون بالتقرب إلى الله تعالى بالأفعال التي ترضيه، ومنها الصيام.
– إن الرضا الإلهي والبركة تكمن في مخالفة أهل الضلال والمعاصي من اليهود وغيرهم.
وبعد هذا فقد توالى عبر السنين في الكثير من الأيام المباركة وفاة أو إصابة شخصيات عظيمة، كان لها الأثر الكبير عبر التاريخ كاستشهاد سيدنا الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء؛ فلا وقوع هذه الحادثة الأليمة في يوم عاشوراء المبارك قللت من ألم المصاب. ولا ألم المصاب ألغى فضل عاشورء، إذ كل له قيمته واعتباره ومكانته في قلوب المسلمين.
لنستثمر هذا اليوم المبارك ولنتعرض لنفحات ربنا فيه ولنذكر ذلك الحدث الجلل في كربلاء؛ ولنتعلم منه الدروس والعبر، علّ الله تعالى يزيل ما بأمتنا من تشرذمٍ وفرقة، ويبدل ضعفنا بقوة وسيادة وفلاح.