أنطوان بصمه جي
” الصورة تساوي ألف كلمة في الخبر الصحفي” جملة ترددت على مسامعنا كثيراً أثناء الدراسة الجامعية في كلية الإعلام بجامعة دمشق.
ويبدو أن المفاهيم الأساسية التي درسناها في كلية الإعلام عن قوة الصورة في إيصال الرسالة الإعلامية قد تغيرت لغاية تتخطى معايير المهنية والآداب الصحفية، وهذا ما لمسناه من خلال جولة وزير التربية الدكتور دارم طباع والوفد المرافق خلال زيارته لمدينة حلب، منذ أيام ، ليعلن إطلاق العام الدراسي 2021_ 2022 من أقدم مدارسها ثانوية المأمون وتلاها زيارات إلى عدد من مدارس المدينة في أحياء مختلفة.
يعد اليوم الأول لبداية العام الدراسي الجديد خبر في غاية الأهمية لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والإلكترونية، بل ويشكل الخبر “تريند” لبعض الوسائل والصفحات والشبكات الإلكترونية المحلية عبر موقع “فيسبوك” خصوصاً مع تواجد رأس الهرم التربوي في مدينة حلب، الأمر الذي أدى إلى توافد غالبية الصحفيين والإعلاميين من كل حدب وصوب وتواجد بعض المواقع التي كانت أبعد ما يمكن عن نقل أي قضية خدمية تهم المواطن، بالإضافة لتواجد الدخلاء على المهنة التي صنفت بأنها سلطة رابعة، ليقوموا بنقل الحدث عبر صور “السيلفي” ونشرها عبر الموقع الأزرق لكسب الإعجابات ، متناسين أهمية الخبر وتوثيقه وكيفية إيصاله إلى المتابعين بمهنية واحترافية دون تضخيم أو إدخال المكياج عليه ومستلزماته المختلفة.
اللافت للانتباه، أنه عند تسلم الوزير طباع مهامه في وزارة التربية منذ سنتين، أدخل مفهوم جديد من خلال “مهرجان العودة إلى المدرسة” يشجع الطلاب على العودة لمدارسهم ومقاعدهم حيث تضمن المهرجان فقرات فنية ومسرحية وطربية، إلى هنا تبدو الأمور في مسارها الاعتيادي، ما أثار انتباهي التنظيم العالي وعمليات تزيين المدارس ومستلزماتها المكلفة لغالبية المدارس الموضوعة في برنامج الزيارة الوزارية ثانوية “عبد القادرعلامو” المحدثة للمتفوقين ومدرسة “لانا زينو” للتعليم الأساسي و”محمد سيف محمود” بالإضافة إلى زيارة مدرسة “غزة” في حي الصاخور الشعبي.
تدخل بوابة المدرسة لتجد الكادر التدريسي فيها على أهبة الاستعداد لاستقبال الوفد الوزاري، اللافتات والزينة متناثرة في أرجاء المدرسة، الأطفال يلبسون زي موحد استعداداً لتقديم رقصة فنية، “بالونات ملونة” تصطف على جانبي كل مقعد خشبي، مجموعة الكتب يزينها شريط أحمر ابتهاجاً لاستخدامها من قبل طلاب العلم وحثهم على التعلم، السبورة مليئة بالمعلومات التي تختص بكل صف مدرسي مع استخدام تقنيات التعليم والورق المقوى بألوانه المختلفة، بالرغم من وجود مدارس خارجة عن الخدمة بعد مضي سنوات على تحرير حلب أواخر 2016.
على الضفة الأخرى، شكاوي عديدة تكتنف العملية التعليمية متعلقة بعمل المدرسين في الريف وغياب وسائل النقل لإيصالهم إلى مدارسهم، إذ بات انتقال المدرس من منزله إلى مدرسته في الريف يحتاج إلى أكثر من راتبه الشهري “الهزيل” لم تجد حلاً مناسباً حتى يومنا، في حين يبقى أهالي الطلاب في حالة يرثى لها نتيجة تردي الوضع الاقتصادي وارتفاع أسعار المستلزمات التعليمية مقارنة بالسنوات الماضية، مع العلم بوجود عدد من العائلات غير قادرة على شراء احتياجات العملية التربية من لباس وأقلام وحقائب.
انتشرت الصور كالنار في الهشيم في مواقع التواصل الاجتماعي للحدث، يتشوق الكثير من المتابعين لمعرفة اسم المدرسة وموقعها، هل هي متواجدة في مدينة حلب؟ لا شك أن للصورة قوة في إيصال الرسالة الإعلامية كون البصر أهم حواس المتابع استخداماً في اكتساب المعلومات، وقوتها مستمدة في مفهوم تصديق أو تكذيب الخبر لذلك يقولون “من سمع ليس كمن رأى”، فالصورة تخاطب جميع شرائح المجتمع وتكسر حاجز اللغات ولا تحتاج جهداً ذهنياً لتلقيها على عكس الكلمة المكتوبة.
ومن المعروف أن الصورة تعكس هدف من قام بإنتاجها وعرضها، لكن المهنية الصحفية تقتضي نقل عشرات الصور الأخرى المرتبطة بالحدث نفسه _أي مدارس مختلفة غير موضوعة في برامج الزيارة الوزارية_ على الرغم من معرفة غالبية الناس بوضع العملية التدريسية واحتياجاتها، لكن جذب اهتمام المتابع بصور حقيقة أو كما يقال “من قلب الحدث” لم تعد تجدي نفعاً إن لم تكن مأخوذة من مدارس مختلفة.
والسؤال الذي يرسم إشارات استفهام كثيرة ، هل أقنعت تلك الصور متابعيها بأن المدارس الحكومية نموذجية كما تناولتها تلك اللقطات المضيئة .؟؟ حيث يجلس كل طالبين على مقعد واحد دون احتكاك وتدافع للحصول على مسافة كافية تمنح الطالب الاستماع لما يورده المعلم من معلومات.