محمود جنيد
كنت غارقاً في أضغاث أحلام اليقظة على كرسي تلك الحافلة” البولمان”، أحاول ترحيل أزماتنا المتنامية من ( خبز، كهرباء، أمبيرات، غاز، مازوت، البطاقة الذكية، المواصلات، ذوبان قيمة العملة، الوضع الاقتصادي، ضنك العيش ومصاريف المدارس، الفساد، بلطجة أزلام الأزمة……..) إلى منفى بعيد عن واقعنا ببطاقة ذهاب بلا عودة لأكسب ثواب بمواطننا المعتر، و أتحزّر بيني وبين نفسي بنفس الوقت، هل سنصل إلى حلب ونحن قادمون من دمشق أم لا، مع هذه ” الطرطيرة” التي نستقلها، وإذا بالصراخ المترافق مع زلزال قهقر حافلة الشؤم تلك، يوقظني من غفلتي وكأنه يعاقبني على مجرد تفكيري بأن ما ذكرته ممكن تحقيقه: فزّ.. إحلم على قدّك وبيكفي أوهام..!
و الواقع أن البولمان كان في حالة تدهور وجنوح عن الطريق بصورة فظيعة، وبهذه اللحظة فقط تمنيت لو أن لوح طاقة شمسية مركب على ظهر الحافلة، ليسعفنا بضوء يكشف طريق سائق الحافلة “الفهيم” الذي أكمل طريقه بعد حاجز إيكاردا دون دارة كهرباء بسبب تعطلها، أي لا أضواء داخل أو خارج الحافلة، و السير كان “على عماها” متتبعاً إحدى السيارات المارة التي مضت وخلفت وراءها سائق مستهتر أرعن (لم يكلف نفسه بفحص حافلته بدلاً من التوقف لثلاثة أرباع الساعة في كراج حمص لغسيل السيارة أو قبل انطلاقها على طريق السفر من كراج دمشق- حلب)، عرض أرواح عشرات الركاب لخطر الموت أو الأذية النفسية و الجسدية التي قد تكون أشد وطأة من الموت نفسه.
المثال الآخر لسائق بولمان آخر، استغرقت رحلته من حمص إلى حلب نحو خمس ساعات بسبب سيره السلحفاتي، مبرراً ذلك لنا بشكل شخصي، بأنه يحمل طن زيادة معه، إذ أقل ستة عشر راكباً على الأدراج وفي الممر، ليس من باب الجشع لا سمح الله، بل لعدم توفر بولمانات وقلة عددها ( أزمة أخرى) لعدم توفر الوقود وغلاءه في السوق السوداء، و الأسوأ من ذلك أن أرواح الركاب لتلك الحافلة أيضاً كانت في خطر داهم بسبب ارتفاع درجة حرارتها بصورة كبيرة جداً مما اضطر السائق ومعاونه للتوقف بشكل مطول لتبريدها، وكل ذلك بعيداً عن أعين الرقابة و المعنيين، عن هذا القطاع الذي يعمل فيه كل حسب مبدأ (كل مين إيدو إلو)، و الأجرة يدفعها المواطن (VIP )، بينما تكون الحافلة متهالكة وغير مريحة..!
أم توفيق امتعضت من تأخري عن الموعد المحدد لوصولي ..ولاحظت ما لم ألحظه بوقتها وهو لسعات البعوض التي أورمت جسدي، و أنا انتظر على جانب الطريق مع من تبقى من ركاب حافلة الإنقاذ لتقلنا من موقع الحادث إلى حلب، وكلو فدى الوطن ومنتخب شباب سورية لكرة القدم..!