الجماهير / بيانكا ماضية
مازال الألم يأبى أن يدع خلايا أجسادنا، نحن السوريين، من دون أن يحفر فيها حفراً، ليتها للذكرى، يمضي بنا إلى آخر مطاف فرحه بتغلغله في مآقينا، ورغم هذا الإمعان بتجذّره في تفاصيل حياتنا، مازلنا نتلمّس الفرح، نبحث عنه في الزوايا المهملة، التي نسيها ذاك الحزن، أو ربما لم تلتقطها عيناه، ولكن يبدو أن هذا الفرح اليسير لم يكن ليسرّ بعض الناس.
رحت أقلّب في صفحاتهم، هالني الكمّ الكبير من التخبّط في المواقف، لا تعلم وأنت تقرأ منشوراتهم على أية ضفّة يقفون، رغم أن مواقفهم كانت واضحة في بداية الحرب على وجودنا، إذ كانوا يهللون للحرية وكأنهم يهللون في عرس أقربائهم..
أتابع المنشورات وأتوقف عند الخلط في المفاهيم، والخلط في المصطلحات، وضياع البوصلة، وعمى الألوان، والتحيّز للاشيء..
تكمن “سورية” في مفرداتهم ولكنهم أبعد الناس عنها، لايصلحون إلا للخلط، الخلط بين الوطن واللاوطن، بين الوطنية واللاانتماء، بين المستعمر والصديق، بين من دافع حتى آخر رمق وبين من نأى بنفسه عن الخوض في الدفاع عن وطنه.
أتابع المنشورات وإذا بفيديو لموكب شهيد، وعلى أكتاف أحدهم ابن الشهيد يبكي بحرقة أباه، كان يصيح ملء حنجرته (وين رحت يابابا وتركتني؟!).
أتذكّر الأطفال الذين بكوا آباءهم، الذين سقطوا مضرّجين بدمائهم إثر تفجير، الذين لم يبق لديهم آباء وإخوة، الأطفال الذين بترت أطرافهم، الذين قتلوا والديهم أمام أعينهم، الذين ملؤوا فضاء سورية بصوت بكائهم..
ويمرّ شريط وجوه الشهداء أمام عينيّ، ولكل شهيد قصة وكلمات، كلمات أصبحت شعارات في الحرب، وقصة أصبحت رواية تكتب على مئات الأوراق.
لون هذا الدم كان واضحاً، كان بلون النبيذ، فلم لم يرَ أولئك المعمي على قلوبهم لونه، لم لم يشمّوا رائحته الزكية؟!
وعدت إلى فيديو الشهيد وابنه، ولم أشعر قبل أن أخرج من صفحاتهم إلا ودمعة سقطت، دمعة أبت إلا أن تخرج لتتدحرج على هول هذا الألم.