*بقلم الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة*
في هذه الأيام التي جاءت تحمل معها ذكرى مولد خير الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، يحتفي ويحتفل الكثير من المسلمين بهذه الذكرى، ومنهم من ينفق الأموال الطائلة على الزينة وأجور المنشدين، ومظاهر البهجة.
غير أننا مع هجوم وباء كـ.ـورونـ.ـا وهجمات الغلاء المتتابعة على أقوات الناس حيث سقطت كل الحصون التي كانت تستر أولي الحاجات، يُلح على الفكر اقتراح في طريقة الاحتفال، وهي نفس الطريقة التي كانت سبباً في تهلل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسروره.
نتلمسها من خلال الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه. قال: كنّا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء قوم عراة مجتابي النّمار أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مُضر، بل كلهم من مُضر، فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام، فصلى ثم خطب فقال:
«يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا، والآية التي في الحشر: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون» تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرّه، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة» قال: فجاء رجل من الأنصار بصّرة كادت كفّه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتهلل كأنه مُذهبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».
نعم لقد حمل هذا الحديث الشريف جملة من الوقفات الإنسانية المؤثرة التي تصوغُ منهجاً فريداً في حلّ المشكلات الإجتماعية بأسلوب عملي وسريع، والقصة التي ذكرها الحديث واضحة تتلخص في حضور قوم من قبيلة مُضر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم في غاية الفقر والعوز، فحزن الرسول صلى الله عليه وسلم لحالهم حزناً شديداً ظهرت آثاره في وجهه الشريف عندما تمعّر وتغير لونه من الشفقة والألم.
وهذا يدل على كمال إنسانية الرسول صلى الله عليه وسلم وعظيم رحمته بأمته، ولكن إظهار العاطفة وحده لا يكفي ولا يحلّ المشكلة، فكم من أناس يرون مشاهد إنسانية بائسة تتقطع لها القلوب، ولكنهم يكتفون بإظهار تأثرهم لها، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع منهجاً واضحاً لحلّ أمثال هذه المشكلات حلاً عملياً.
وقد تجلّى ذلك في دخوله صلى الله عليه وسلم إلى بيته لعله يجد ما يشارك فيه لمدّ يد العون لأولئك الفقراء وهذه رسالة لكل مسؤول ليكون أول المبادرين إلى مساعدة الآخرين، ثم كانت الخطوة التالية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مساعدة هؤلاء الفقراء حيث دعا الناس إلى الصلاة ثم خطب بهم لحثهم على الإنفاق في سبيل الله والسخاء الذي يُساهم في التخفيف عن أولئك المعوزين مما حدا بالمسلمين ليتنافسون في بذل معوناتهم حتى تجمع كومين من طعام وثياب في وقت يسير قبل أن ينصرف الناس من صلاتهم.
الخطبة في ذلك الحين الوسيلة الإعلامية المُثلى لدفع الناس كي يقوموا بواجبهم تجاه المحتاجين حيث الأمر بالعطاء في حدود الاستطاعة حتى يشارك جميع الناس بذلك العطاء مهما كان قليلاً.
وكانت الاستجابة سريعةً فتجمع من المال والطعام والثياب الشيء الكثير، وهنا تغيّر وجه الرسول الكريم متهلّلا إشراقاً وبشراً لما رأى من العطايا الكثيرة التي تسد حاجة هؤلاء الفقراء البائسين.
ونحن في وقتنا هذا، وفي مجتمعنا الذي نعيش فيه هل من مُريدٍ لتحقيق تلك النتيجة العظيمة ليتهلل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.؟
إذا احتُفِلَ بمولده صلى الله عليه وسلم بنفس الطريقة “بالبذل والعطاء”،
*فلنبادر كلٌ من مكانه وإمكانه.*
ليكون الفرح بذكرى مولد السيد الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر بهجةً في قلوب جميع أفراد شعبنا العظيم الصابر.