بقلم عبد الخالق قلعه جي
ليس العندليب وحده من يفتش عنها ، ولا القباني نزار ، فأنا أيضا ً أفتش عنها .. وكل يفتش عن ليلاه ، وعن مطر يتساقط كلمات ليست كالكلمات .
أهل المغنى يقولون : إن بعض المقامات تأخذك أكثر .. تشدك إليها .. تأسرك وتجعلك نجماً تسبح في فلكها .. تعيد وتستزيد ، طرباً وانتشاءً .. شغفاً وعشقاً .
يبدو أن علي الاعتراف مجدداً بأنني ما استطعت أن أغادرها ، تلك التي أنزلتها قلبي .. تلك التي كنت في حضرتها أطوف .. زارعاً الزمان جيئة وذهاباً حقاً إن حب النساء وحب المدن قضاء وقدر، فكيف وأنا في حلب المحروسة ، وكل حجرة فيها تروي ألف حكاية وحكاية .
من قال إنك تستطيع المغادرة وقت تشاء ؟ فللدائرة مغاليقها الموصدة ، التي لن تفتح إلا لمن يهبط من جنتها .
هو القدر الذي يرفعك عاشقاً تؤدي فروض الحب .. راضياً مغتبطاً فرحاً ، بعد أن وصلت المقام ونلت القبول كالموسيقا هي تلك الأماكن .. أزمنة وأحداث وأصوات .. و هارموني للحاء واللام والباء يرنو أبداً للقادمات من الحياة .
على ناصيته حيث كنا – بشارع بارون – مازلت أقف ، وعلى يساري واحد من المقاهي الكثيرة التي انتشرت في هذه المنطقة والتي لها حضور في الذاكرة الحلبية بمن كان يرتادها : عمر أبو ريشة .. أحمد الأوبري .. علي الناصر .. لؤي كيالي .. خير الدين الأسدي .. عبد الله يوركي حلاق .. وغيرهم الكثير الكثير من رواد وأعلام هذه المدينة ومن زارها .
يبدو حقاً أنني لن أستطيع المغادرة ، فلقد تعطلت لغة الكلام .. هكذا كانت تغني الكسندرا بدران ( نور الهدى ) في مقهى الشهبندر .. وخاطبت عيني في لغة الهوى عيناك .
صوت زكية حمدان كان ينبعث من نادي الشرق وهي تشدو أرى سلمى بلا ذنب جفتني ، تبقى في البال سينما كوزموغراف التي غنت فيها كوكب الشرق أم كلثوم عام ألف وتسعمئة وثلاثين بحضور كبار فناني حلب وسميعتها وعلى بعد منها لا يتجاوز الخمسمائة متر كان الموسيقار محمد عبد الوهاب مستغرباً ( حد الدهشة ) من العدد القليل جداً الذي جاء ليحضر حفلته الأولى بحلب .
بعض من أوراق الذاكرة ،
ذاكرة هذه المدينة ..
ندنو منها بخشوع ..
نخلع حذانا
نمشي الهوينا ، ونمضي
للغد الأجمل لهذا الوطن إن شاء الله .