بقلم عبد الخالق قلعه جي
فنجان قهوة جمعنا في سهرة عائلية وأصدقاء .. وأعمار شتى .
مع انتظار موعد التيار الكهربائي ، كان أحد اليافعين ينتقل بين ألبومات غنائية لعدد غير قليل من المطربين والمطربات .
ومع كل انتقال ، كان هذا اليافع الشاب ينظر إلي .. يستمزج رأيي ، ويحاول أن يفك انطباعي عن الأغنية التي تنبعث من الـ ( ام بي تري ) الموصول إلى جهازه المحمول عبر ( البلوتوث ).
بعد تنويعات من هنا وهناك ، كانت أنامل عازف القانون الشهير محمد عبدو صالح تحملنا إلى عام ألف وتسعمئة وأربعة وستين حيث أغنية اللقاء الأول التي جمعت كوكب الشرق أم كلثوم بألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب في ( إنت عمري ) والتي سميت بلقاء السحاب .
فلسفة هذا الرجل .. أقصد عبد الوهاب .. تأبى إلا أن يكون من خلال ألحانه ، شريكاً فوق العادة .. خاصة مع كوكب الشرق ، إذ غالباً ما كانت المقدمة الموسيقية للأغنية التي يلحنها ، تشكل مقطوعة تصلح أحيانا ً لأن تكون منفصلة عن الأغنية .. وكأنه يقول : أنا من سيبدأ الغناء أولاً ، إنما عبر موسيقاي .
يتململ بعض الشباب الحاضرين في سهرتنا هذه من إعادة المقدمة الموسيقية وذلك بعد التصفيق الذي تستقبل به عادة أم كلثوم عند إطلالتها على الجمهور .
لم يستطع أحدهم أن يخفي تبرمه وحتى حنقه ، فالتفت إلى صديقه متهكماً .. ( يعني لأيمت .. طيب ليه هاد كلو .. كان خلص عشر أغاني وهيه لسه مابديت .. ياإلهي شقد كان عندهم صبر .. على كل بيجوز لو كنا حاضرين الحفل ، كان الأمر اختلف )
حولت عيني باتجاههما وأشرت بيسراي .. أن انتظرا قليلاً .
هنا أخذت الجلسة منحى آخر فالموضوع عندي – على الأقل – يحظى بدرجة عالية من الأهمية ، والكثير الكثير يقال فيه ، ولم يعد مجرد أغنيات وأذواق ..
التفت إليهما سائلاً : إن كان لديكما وقت جميل ، هل تريدان له أن ينقضي ؟
قالا بالتأكيد لا ، قلت إذاً الموضوع يكمن في : المقدرة على تلمس مفاتيح الجمال والوصول لها فيما تتلقى أو تتابع .. يكمن في مدى قربه منك وقربك منه .. ويكمن أيضاً في التماهي معه المكانة التي تليق ، وبالتالي لن يكون هناك شعور بثقل أو وطأة تلك الموسيقا وأغنيتها ،
أما عن الصبر فهو المفتاح وهو الأهم بين عوامل الإبداع ( الوصول إليه وإنتاجه ) .. في الموسيقا والغناء .. وفي سائر ألوان الإبداع الأخرى .. وواحد من تجليات الإيمان واليقين والـ ..محبة .
وتتدحرج خطوط الدائرة وخيوطها لأجد نفسي الآن مع ثلاثيةٍ : كرت‘ التعريف .. واسطة‘ العِقد فيها ، وجسر‘ التواصل المعرفي والثقافي والاجتماعي والتراثي والقيمي والروحي بين الأجيال .. بين ماكان ومن كان ، وبين من يكون وما يكون وما يصير .
عناوين كثيرة وأسئلة تلح باستفهاماتها .. مسؤولية من بناء هذا الجسر .. دعاماته وأعمدته .. أمانه ، وصونه من كل ما يمكن أن يضعفه ويقطع أوصاله واتصاله .
وإذا كنا نتناول مساوئ ما .. لدى بعض شبابنا أو سلبيات ، فالمسؤولية تقتضي وتقضي أن نتناول أيضاً بكل العمق والإحاطة ، أسباب نشوئها والعمل المطلوب لردم الهوة وجسرها وتقصير البعض منا في القيام بدوره في هذا المجال
هي ليست أغنيات
إنما أمنيات
جميعاً – بلا تململ – لها سامعون
رجعوني عنيك
للفرح المشتاق .. وللنور
والغد الأجمل لهذا الوطن إن شاء الله