بقلم: الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
“تفاءلوا بالخير تجدوه”، ما أروعها من كلمات تسوق لنا البُشرى، وترفع لنا الهمم،
“دعونا نتفاءل” ليست دعوة منعزلة عن واقعنا بل هي الدواء الأمثل لما يعانيه هذا الواقع من مطباتٍ اقتصاديةٍ واجتماعية وسلوكيّة.
نعم إن المتفائل بالخير سيحصد الخير في نهاية الطريق؛ لأن التفاؤل يدفع بالإنسان نحو العطاء والتقدّم والعمل والنجاح والمجد، فالتفاؤل إذًا شعور نفسي عميق واعٍ، يوظف الأشياء الجميلة في أنفسنا ومن حولنا توظيفًا إيجابيًّا.
إن مُعظم ما نمرُّ به في واقعنا المُعاش قد يدعو البعض إلى مجانبة التفاؤل والإغراق في حالة من السلبية، وهذه الحالة لا تُزيل واقعاً ولا تُغير شيئاً، والأجدر بالجميع أن يبدأ بالعمل الخلّاق للوصول إلى هدفه، فالعمل المشفوع بالتفاؤل سيخرج أهل الاكتئاب من حالتهم تلك مهما كان الواقع الذي نحياه مريراً.
والتفاؤل في حقيقته علمٌ يمكن أن يتعلمه الإنسان ويُطبّقه في تعامله مع أفراد المجتمع.
وليس التفاؤل نوعاً من اللامبالاة، على العكس فهو الشعور المرمم لآلام الماضي والمُحرّك لبناء الحاضر والمخطط لآمال المستقبل والموصل إلى الهدف المرجو و(لولا الأمل لبطُلَ العمل ).
نعم إن التفاؤل عملية إرادية يمكن أن نمارسها ونتعلمها بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن خلافها وهو التشاؤم أو التطيّر حين قال: ( لا عدوة ولا طيرة ) رواه مسلم. ونَهيه صلى الله عليه وسلم عن التشاؤم يعني أن ذلك أمرٌ نفسي إرادي يمكن التحكم به.
والتفاؤل يسري إلى الناس من حيث لا يشعرون فإذا جلس المرء بين مجموعة من المتفائلين فسيرى أن المستقبل سيكون أفضل، و أن الأمور يمكن أن تتجه في الاتجاه السليم، أما المتشائمون فإنهم سيجعلونه حزيناً، ويصورون الحياة على أنها سلسلة من الكوارث التي لا مفر منها، ويبدؤون أحاديثهم بذكر الحوادث المؤلمة والذكريات المحزنة وإذا تبادلوا الحديث فسوف يشك المُستمع بأن مستقبله في خطر.
لذلك فإن الشخصية المتفائلة تتمتع بصحة نفسية مستقرة ومتوازنة بعيدةً عن الكراهية محبةً للخير على الدوام فعالةً في مجتمعها، ولعلّ أكثر الناس تفاؤلاً هم أصحاب القلوب المؤمنة بالله تعالى الراضية بقضائه وقدره؛ ذلك أن التشاؤم خلاف الإيمان الذي يبيّن للناس أنه {لن يصيبنا إلا ما كتب اللهُ لنا}[التوبة:51]
التفاؤل سطور المجد التي تكتبها أيدي المؤمنين، وإشراقات السعد التي ترسمها ابتساماتُ المثابرين، إنه ذلك السلوك الذي تُنسجُ به أشرعةً لسفن الأفعال، تمخر بحار العز والكرامة؛ إنه الشعور الذي يُنير للناس ظلمات الظروف وحوالك الكروب؛ وهو السبيل الأمثل للتخلص من ضيق الحاضر لصُنع واقع جديد يُبدد الأزمات.
إنه القدرة على التخطيط للوصول إلى حياةٍ أفضل، وهو منظار رائع لرؤية الحياة والارتقاء بالشعور نحو الطمأنينة، فيدفع إلى الإيجابية في التصرفات ويساعد على التوازن الفكري والنفسي والصحي.
الحياة تزدهرُ بالأمل وتغدو مُشرقة في عيون أصحاب التفاؤل؛ أولئك الذين يبثون السرور فيمن حولهم، ويزرعون الفرحة في قلوب الناس.