ودع ورية صناجة الطرب العربي الأصيل صباح فخري الذي غنى لمال الشام وقدود حلب وموشحات الأندلس ليضفي غيابه الوحشة على ظلال الياسمين.
تميز الراحل الكبير بصوته وأدائه الفريدين فضلاً عن تمسكه بالطابع الكلاسيكي العربي في حين أدخلت مرونة صوته وجماله على أغنياته الدفء والأصالة حيث لا يقوى السامع لهذا الصوت إلا أن ينصت له دون ملل.
وعلى صعيد الأداء كان صباح فخري يدخل بحالة من التصوف ويصبح صوته وجسده في حالة انسجام يبدؤها بالرقص والتمايل الرزين لتصبح صفة مميزة لحفلاته على خشبات المسارح.
وكان له الفضل الكبير في حفظ التراث الموسيقي العربي الذي نهل منه فأخذ منه وأعطاه الكثير.
وكان لمحبي الراحل الكبير من الموسيقيين والمهتمين بالفن السوري شهادات لما قدمه للفن الأصيل حيث بين نقيب الفنانين زهير رمضان أن الوطن العربي عامة وسورية خاصة خسروا برحيل العملاق فخري فناناً كبيراً قدم للمكتبة الموسيقية العربية أهم مكونات الطرب الأصيل ضمن تمسكه بأسلوبه العريق الذي ظل حتى وفاته لافتاً إلى أنه كان حالة نادرة في العصر الراهن.
ورأى الموسيقار أمين الخياط أن برحيل الفنان صباح فخري خسر الغناء العربي والسوري قامة فنية كبيرة لم ولن تتكرر مبيناً أنه منذ عام 1964 بدأ في التلفزيون العربي السوري رحلته في تكريس الهوية الموسيقية الحلبية من الموشحات والقصائد والقدود التي كان قبله لا يعرفها أحد وظل محافظاً على أسلوبه بالغناء حتى وفاته.
الموسيقي هادي بقدونس وصف فخري بالأستاذ في الموسيقا وبصاحب المدرسة مؤكداً أن أثره فاق كل من جاء قبله وبعده على الصعيد العربي لأنه أسس لخط يستمد فنه من التراث العربي العريق وكان لدرجة كبيرة صاحب فضل في الهوية الفنية العربية الجامعة.
عميد المعهد العالي للموسيقا وقائد الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية المايسترو عدنان فتح الله بين أن الراحل الكبير من القامات الغنائية السورية على المستوى العربي ورفد المكتبة الغنائية بأعمال مهمة ووثقها بكل أمانة ليبقي إرثاً قيماً لنا وللأجيال من بعدنا وكان من المدافعين عن الموسيقا العربية فصانها وكان حضوره من خلالها استثنائيا على المسارح والمحافل الثقافية.
المايسترو أندريه معلولي مدير عام دار الأسد للثقافة والفنون أكد أن صباح فخري هو أحد أعمدة الفن السوري الذي حمل على عاتقه نشر الفن الحلبي السوري والمحافظة عليه وإيصاله لأقاصي العالم واليوم العديد من الفرق الغربية تعزف موسيقاه لمحبتهم لفنه العريق لافتاً إلى أن دار الأوبرا كان لها شرف أن يقف فخري على مسرحها مرات عدة إضافة إلى تكريمه العام الماضي كشخصية فنية سورية كما قدمت حفلاً بحضوره كان المغنون فيه ممن تتلمذوا على مدرسته الخالدة.
الباحث الموسيقي أحمد بوبس الذي كتب عن الراحل الكثير من المقالات والبحوث أشار إلى أن فخري هو ليس مطرباً فقط بل منظومة موسيقية متكاملة كان عالماً بالموسيقا العربية ومقاماتها حفظ بصوته الكثير من الغناء العربي التراثي من الاندثار مع امتلاكه القدرة على الغناء ساعات طويلة الأمر الذي لم يشابهه فيه إلا الراحلة الكبيرة أم كلثوم.
المايسترو كمال سكيكر قائد فرقة قصيد أشار إلى أن الراحل الكبير هو تاريخ للأغنية السورية حيث وثق الموشحات والإيقاعات والقدود والمقامات الموسيقية التي عرفها الجمهور عندما صدحت حنجرة صباح فخري بها وعندما تسأل الجمهور العربي عن الفنان السوري الأول الكل يجمع على اسمه كقلعة من قلاع الشهباء.
أما الفنان خالد أبو سمرة الذي غنى للراحل فاعتبر فخري من أهم أعلام الطرب في الوطن العربي وقامة فنية كبيرة استطاع إيصال القدود الحلبية والتراث السوري الأصيل لكل أنحاء العالم وبرحيله نفتقد نجماً كبيراً في الفن والإبداع والذي ما زلنا نسير على نهجه حتى يومنا هذا.
وعبر الفنان الحلبي عمر سرميني عن حزنه الشديد بخسارة عملاق الطرب الذي تربع على عرش الغناء للقدود الحلبية الشهيرة حتى بات قامة فنية عريقة للطرب الاصيل.
أما بالحديث عن صباح فخري على الصعيد الإنساني فوصفه الشاعر الغنائي عبد الرحمن الحلبي الذي جمعتهما أجمل الذكريات الفنية بصاحب الأخلاق العالية الوفي لزملائه والمتواضع مع أصدقائه وبذي الشخصية القوية والاستثنائية من حيث الصوت الذي تجاوز فيه المساحة المطلقة فضلاً عن مخزونه الكبير من الموشحات والقدود والأغاني الطربية التي يعجز عن أدائها الكثير من مطربي اليوم.
عازف القانون عدنان جارور الذي عمل مع الفنان الراحل لعقد من الزمن أوضح أن صباح كان إنساناً بقدر ما كان فناناً ومبدعاً يتحلى بأخلاق كريمة سمحة يعمل ساعات طويلة دون كلل أو ملل ويبقى صامداً وقوياً يستمد منه من حوله القوة والطاقة.
أما الأمانة السورية للتنمية فنشرت عبر صفحتها الرسمية على الفيسبوك بياناً تنعي به الراحل الكبير جاء فيه: حين يغيب الموت من لا تتوقف حياتهم وعطاءاتهم بانتقالهم إلى جوار ربهم يكون الفقيد أيقونة من تاريخ الفن السوري العريق وصباحاً من صباحات فخرنا.
ولفت البيان إلى أنه في تاريخ تشرين الأول من عام 2018 بدأت الأمانة بترشيح عنصر القدود الحلبية على قوائم التراث الإنساني في اليونيسكو وكان لصباح بما قدمه لها من دعم معنوي وعلمي مشاركة أساسية لأنه نشر الطرب الحلبي الأصيل عالمياً.
وختم البيان بالقول اليوم ونحن نرثيك بهذه الكلمات نستذكر وصفك للقدود الحلبية بأنها بوكيه من الورد من كل روضٍ زهرة وعلى الرغم من أن المليحة قد ارتدت خمارها الأسود إلا أننا نعدك أن يكون عام رحيلك محطةً في تاريخ القدود الحلبية وهويتها السورية عالمياً من خلال تقديم القدود الحلبية لتسجيلها كجزء من التراث الإنساني العالمي في اليونسكو 2021.