الجماهير – بيانكا ماضيّة
في اليوم السابع من مهرجان مونودراما الشباب الذي يقام حالياً على مسرح دار الكتب الوطنية بحلب، تم عرض مسرحية (لاتجعلني ألبس الأسود) للمؤلف محمد سعيد حمادة، تمثيل زينب ديب، وإخراج محمد سعيد حمادة.
لن أتوقف عند الأفكار التي قدمت في النص، كما لن أتوقف على المتعة المسرحية المفقودة، بغض النظر عن جمالية النص النثري المقدّم، وجمالية الأداء التمثيلي للممثلة زينب وإن كان مقيّداً في زمن المسرحية أغلبها. وإنما سأتوقف عند ما أعقب هذا العرض المسرحي..
عادة يعقب العروض المقدمة في المهرجانات ندوة يتم فيها نقد للأعمال المسرحية، أكان من قبل النقاد أم من قبل الجمهور المتلقي، ندوة يتم فيها تقييم النص والإخراج والعناصر المسرحية الأخرى من صوت وإضاءة ومؤثرات صوتية وديكور وغيرها.
وفي الندوة التي أعقبت هذه المسرحية التي عرضت اليوم، والتي أدارها الفنان غسان مكانسي، وجدت شيئاً مخالفاً لما يسمّى ندوة تقييم ونقد، ماحصل أن كان هناك هجوم تم فيه تبادل الاتهامات حتى وصل الأمر إلى الغمز واللمز والتجريح، ليس بحق مؤلف المسرحية والممثلة، علماً بأن ماتمت الإشارة إليه عبر المداخلات لم يكن بالسوية النقدية العالية، ولا بالأسلوب النقدي “المحترم” إن جاز التعبير، باستثناء بعض المداخلات، وإنما بحقّ اللجنة التي قدمت لها النصوص..
لم أكن أتوقع أن تصل الأمور في ندوة كهذه إلى هذا المستوى من التجريح والتقييم السيئ، فبغض النظر عمّا تم تقديمه في مسرحية (لاتجعلني ألبس الأسود)، إن كان نصّاً نثرياً لا نصّاً مسرحياً، وإن كانت الرؤية الإخراجية غير متوافقة مع النصّ، مع اعتراف المؤلف حمادة بأنه ليس بالمخرج المسرحي، أو لم تقدم تلك الرؤية حلولاً تقنية للدخول في بنية المونودراما، وهذا ما أشارت إليه بعض المداخلات التي قدمها مخرجون وممثلون في المسرح، فإن الندوة هذه ليست مكاناً لتبادل الاتهامات والطعن من قبل الكتّاب لبعضهم البعض، وليست مكاناً للاستعراض والتعالي على الآخرين، وليست مكاناً ليتم فيه هذا الهبوط التقييمي للعرض.. النقد بكل أشكاله له أصوله وله مفرداته ومصطلحاته يتم من خلالها تسليط الضوء على جمالية العمل، وجودها من عدمه، وعلى المطبّات التي سقط فيها العمل، إن وجدت، وعلى الأفكار التي تم تقديمها ومدى نجاح العمل فيها، إضافة إلى أداء الممثلين وحركتهم على خشبة المسرح والديكور، وكل مايتعلق بالعملية الإخراجية من عناصر، وذلك في النقد المسرحي.
ماوصلنا إليه على الأصعدة كلها، لم يكن المسرح بمنأى عنه، للأسف، فما سمعناه في الندوة لايمت إلى الحضارة بشكل عام، وإلى حضارة حلب بشكل خاص..
لقد خرجنا جميعنا بعد هذا العمل المسرحي الذي قدّم فيه المؤلف محمد سعيد حمادة رؤية شاملة لما تم في سورية في أثناء الحرب من انكسار وحزن وهدم للروح الإنسانية، رابطاً هذه الرؤية بماضي سورية العريق، وبحاجتنا إلى الأمل والقوة والتماسك، أقول لقد خرجنا بعده نجرّ أذيال خيبتنا لما وصل إليه حالنا عامة، لهذا لا بد من الختام بجملة “نرجوكم لاتجعلونا نلبس الأسود”!.