الجماهير – بيانكا ماضيّة
حين صدح ذات يوم صوت صباح فخري بأغنية “جاءت معذبتي” من مسجّلة السيارة التي وصلت مشارف حلب، السيارة التي كانت تقلّني إليها بعد غياب قسريّ عنها في أثناء الحرب دام سنوات، وحينها كانت تمر أمام ناظري الأبنية المهدّمة في منطقة “الراموسة”، بكيت، فهل يُبكي صوت صباح؟! نعم يُبكي ويدمي حين ترى هذه المدينة المكللة بالبهاء قد أمسى بعضها عروشاً!.
المدينة التي لطالما سهرت على ألحان أغانيه، التي لم تكن لتنام إلا وكان صباح فخري جزءاً من سهرها، وحين مسّتها النيران المشتعلة، فقدت جزءاً من روحها، ولكن حين تسمع صوت صباح فخري تدرك أن هذه المدينة لا تموت!
المدينة التي لا يعرف سرّها ولا سحرها إلا من مشى في شوارعها واستنشق هواءها وشرب من مائها، وترعرع في بيوتها، هو وحده يدرك أيّ فضل لهذه المدينة في أن تمنح حبّها لأحبائها، وأي حبّ؟ إنه الحب الذي يستدلّ عليه في صوت أبنائها، وهل خلت بيوت حلب من صوت جميل؟! صوت جميل قلّما تهديه المدن الأخرى لأبنائها، وهذا هو سرّ حلب! ولكن صباح فخري لم تهده حلب صوتاً جميلاً، بل أهدته صوتها نفسه! الصوت الذي تجلّى في الروح، في الدم، في الجينات.
فهلا أدركنا أيّة قيمة حضاريّة يمتلكها صوت صباح فخري؟! إنها روح حلب!.
اليوم تودّع هذه المدينة جزءاً من هذه الروح، الشوارع والأزقة والأسواق القديمة والقلعة والبيوت وناسها تبكيه، ولكن مادامت حلب باقية، فروحها باقية، إنها صوت صباح فخري الخالد إلى الأبد!