حلب – الجماهير
عازف القانون جلال جوبي الذي كان له شرف العزف في فرقة صباح فخري الموسيقية طيلة عشرين عاماً، ومرافقته في العديد من السهرات والحفلات أكانت في سورية أم في بلاد عربية وأجنبية أخرى، يكتب إلينا من السويد، والحزن يعتصر قلبه على رحيل قلعة حلب الفنية، قائلاً:
من أين أبدأ ومن أين آتي بحديث تقف كل حروف اللغات عن صياغته؟
من أين أبدأ ..هل من سن الطفولة حين سمعت إلى صوت سحرني من دون أن أعي السبب …
في ذلك ( الحوش العربي ) بحلب في منطقة التليفون الهوائي ومن خلال ( المسجلة ) شيء ما جعلني مسمرا بجانب آلة التسجيل ..”جاءت معذبتي” حفلة سوق الإنتاج وسألت والدي من هذا الذي يغني؟ قال لي إنه صباح فخري!
لم اكن أفهم الكلام الفصيح آنذاك ولا معاني الأبيات، ولم أكن قد دخلت عالم الفن…وتمر السنون وأنتسب لمعهد حلب للموسيقا لتبدأ رحلة طويلة في ذلك العالم الساحر الذي نذرت نفسي له.
وأنا في المعهد كنت أناشد نفسي: هل ياترى سأتمكن من حضور حفلة لصباح فخري وأراه شخصيا واستمتع بغنائه؟
وتشاء الأقدار أن أكون في فرقته الموسيقية بعد أن أتممت دراستي في المعهد ..
مشوار امتد لأكثر من عشرين عاما قضيتها مع ذلك الهرم الكبير والقلعة الصامدة ..نهلت ونهلت من علمه ما استطعت وارتويت من ذلك النبع الصافي الرقراق السلسبيل العذب.
عشرون عاما لم أتخلف عن حفلة واحدة.. طوينا العالم أسفارا …من مهرجانات وحفلات في جميع أصقاع الأرض.
عشرون عاما من السلطنة والطرب والنشوة والعلم والمعرفة واكتساب الخبرة.
واليوم أودع جزءا من حياتي ..جزءا من كياني ..جزءا من روحي.
أودع عشرين عاما ستدخل حيز الذكريات وتعيش في تلافيف المخ وفي اوردة الدم …
كيف أرثيك؟ …إن الغصة تخنق حنجرتي
كيف أودعك وأنا في بلاد الاغتراب وحيدا وحلب كلها تودعك.
تبكيك الشوارع والأشجار والأبنية، تبكيك السماء..
حلب أيتها المفجوعة بحبيبها ..بملكها..
حلب ..حق لك الحزن على ابنك البار
حق لك سخي الدمع على من أطرب كل زاوية فيك وكل قنطرة، كل بيت وكل دوحة من رياضك.
كيف أرثيك يامن تربيت في بيتك؟
كنت أبا وأخا وصديقا ورفيقا ومعلما
سلام لروحك أيها النقي ..لتهنأ السماء بك ..
ولتنعم روحك بالراحة الأبدية
سنحكي لأولادنا وللأجيال القادمة أننا عشنا زمن صباح فخري.