بقلم عبد الخالق قلعه جي
في رسالته الأخيرة ، إلى محبيه في العالم ، كتب غابرييل غارسيا ماركيز :
لو شاء الله أن يهبني شيئاً من حياة أخرى ، فإنني سوف استثمرها بكل قواي .
ربما لن أقول كل ما أفكر به ، لكنني حتماً سأفكر في كل ما سأقوله .
سأمنح الأشياء قيمتها ، لا بما تمثله ، بل بما تعنيه .
سأنام قليلاً ، وأحلم كثيراً ، مدركاً أن كل لحظة نغلق فيها أعيننا ، تعني خسارة ستين ثانية من النور ، سوف أسير فيما يتوقف الآخرون ، وسأصحو فيما الكل نيام .
هناك دوماً يوم الغد ، والحياة تمنحنا الفرصة لنفعل الأفضل .
رغم أني لا أميل إلى الحساب ، فإن عدداً غير قليل من أحرف ال ( سين ) ، جاءت عبر أسطر ما اقتطفته من الرسالة .
بعد التمني ، وهذه الـ ( لو ) التي نأملها .. تفتح عمل الإنسان هذه المرة .. أبجدية لخط آخر ترسمه آفاق مختلفة .. وقناعات .. ومشاريع أفعال ، تجعل من الأبعاد كلها حوامل ، لتكون خيراً يمكث في الأرض .. للناس نافعاً .
مع كل مرة نستحضر فيها النوايا الطيبة ، ونستنهض الإرادة وقرار الفعل لنبدأ .. تقفز سين التسويف حائلة بين رغبتنا ونوايانا الطيبة أحياناً .. وبين تعليمة البدء ، فنرجئ ونؤجل .. وننسى فيما ننسى أن أحداً لن يتذكرنا من أجل ما نضمر من أفكار .
مرات عديدة أعدت قراءة الرسالة …
حياةٌ هي الآن بين أيدينا .. تمنياتٌ على الله بأخرى .. لأنًّا .. ولأنَّا .
منظومة تفاصيل .. تتصل بالقيمة ، وقيمتها ، بالمعنى والحلم .. بالشمعة وفعل النور .
ترى ماذا لو لم تمنحنا الحياة الفرصة لنفعل الأفضل .. ؟
بكثير من التأمل استذكر الرزنامة ( القلاب ) التي تحتفظ بأوراقها المنتهية أيامها ، عبر نصفي دائرة معدنية بحيث تقلب الأوراق دائرياً كيلا تنزع ويذروها النسيان .
كأنها آلة للزمن هذه الرزنامة .. تسافر بنا على بساط أوراقها إلى كل الأيام مخترقة بإيقاعها النسبي كل أغلفة الزمان .
الحاضر الآن مستقبلُ ما مضى ، وماض ٍ لآخر قادم .
وإذا كنا نتغنى بالزمن الجميل – وقد مضى – فإننا نمني النفس أيضاً ، أن نزرع لحظاتنا هذه لتنبت ماضياً وزمناً جميلاً للقادمين ، في القادمات من السنين .
بأحرف من نضار ، مازالت رزنامة حلب تذكر أسماء كثيرين ، وقفوا حياتهم ونذروا أنفسهم ، للوطن الحبيب ولها .. خلدوا اسمها .. فتوجتهم في سدرتها عاشقين ..
الطباخ و الغزي .. الأسدي خير الدين ومصطفى العقاد .. عبد الله يوركي الحلاق ..عمر حجو .. ايلاريون كبوتشي و صباح فخري … ثلة من أعلام هذه الشهباء .. لأرواحهم الوفاء والخلود .
أسماء كثيرة أخرى .. قامات نعتز بها ورواد .. أمد الله في عمرهم .. تهب أروقة الزمان في حلب خلاصة عمرها إبداعا وتملؤها محبة وعطاءً .
ما قالوا يداً واحدة لا تصفق ، وما قالوا وردة لا تشكل .. أناس – هم الحب – وقد جعلوا من كل التفاصيل حوافز لانجاز مشاريعهم والوصول ..
رسائل من شموع ، كلٌ بما يستطيع أمانة واختياراً للسجل الذي يرغب فيه.. كتابة اسمه وأسطر حياته ، ومعها .. لا الوردة ستبقى واحدة ، و لا تلك اليد .
ستعزف الأوركسترا سيمفونية المحبة ولحظات الغد الأجمل وتغدو الوردة أضمومة من عبير وروضاً .. وتتصل دوائر النور
الآن الآن
أوراق رزنامة نكتبها
تحمل الصورة والاسم والعنوان
شمعة للنور نوقدها ..
خير من أن نلعن ظلام
شاء ربي ، نرجوه
ماذا .. إن لم يشاء
سينٌ لا للتسويف
لكن
لما يستقبل من الزمان