دمشق-سانا
شهد القرن الثامن عشر نهضة علمية وثقافية عربية كان من أركانها الرائد الأول لفن القدود الحلبية ابن مدينة حمص الشيخ أمين الجندي.
الشيخ أمين الجندي الذي عاش بين عامي 1766 – 1840 ولقب بشمس الشعراء يعتبر أحد أعلام الشعر والموسيقا في سورية وعرفت مسيرة حياته تنقلاً مستمراً بين دمشق وحلب وطرابلس الشام ومصر حيث نهل من زاد علمائها ومفكريها قبل أن يستقر في مسقط رأسه حمص حتى وفاته.
ومن العلماء والأدباء الذين درس على يدهم في حمص الشيخان محمد الطيبي ويوسف الشمسي ومن دمشق أخذ زاده المعرفي من علمائها وفي طليعتهم العلامة الصوفي المشهور الشيخ عمر اليافي والشيخ أحمد العطار وعبد الرحمن الكزبري.
ويعد الشيخ الجندي أشهر من نظم المقطعات أو الأدوار الغنائية في سورية ووضع الكثير من الأعاريض التي عرفت فيما بعد بالقدود والتي ما زالت متداولة بين الناس وغناها عمالقة الفن الأصيل.
واشتهرت الأناشيد التي كتبها الشيخ الجندي بالرقة أما شعره فهو انعكاس لطبيعة وطنه سواء من خلال الوصف أو الغزل كما التزم بقواعد الشعر القديم في بناء قصيدة المدح خاصة إذ يستهلها بالنسيب أما غزله فيمزج فيه الحسي والروحي كما شعر المتصوفة ونظم في موضوعات الشعر العربي التراثي ومارس التشطير والتخميس على عادة شعراء عصره في التناص مع الشعر القديم.
جمعت قصائد الجندي وطبعت بعد رحيله بعقود لأكثر من مرة حيث جمع الكتاب الذي حمل عنوان (ديوان الشيخ امين الجندي) مجموعة من الأبواب من القصائد -التخميس والتشطير- الأناشيد – القدود والذي احتوى عدداً كبيراً منها مفصلة وفق مصادرها الأساسية وأنغامها وإيقاعاتها كما للجندي العديد من القصائد التي لا تزال مخطوطة.
ومن القدود الشهيرة التي نظمها الشيخ الجندي ( هيمتني تيمتني) وهي من نغم الرهاوي من عروض الحجاز وتقول كلماتها (هيمتني تيمتني.. عن سواها أشغلتني..لست أسلوها ولو في..نار هجران سلتني).
ومما كتبه أيضاً “يا صاح الصبر وهي مني.. وشقيق الروح نأى عني” وهي من نغم نوى أما من نغم اصفهان فله القد الشهير “يا غزالي كيف عني أبعدوك ..شتتوا شملي وهجري عودوك”.
وعلى نغم البيات له “يا بدر حسن تبدى من ورا الحجب .. يفتر ياقوته عن لولؤ رطب” أما من الرصد فله “أقبل الساقي علينا وهو كالبدر التمام..وانثنى عجباً لدينا حاملاً كأس المدام”.
الشيخ أمين الجندي كان له دور كبير في الحفاظ على القدود ومن خلاله استطعنا التعرف على فن الغناء في القرن الـ 18 أي ما قبل ظهور الأسطوانة وآلات التسجيل من خلال نقل هذه الأغاني من جيل إلى جيل لتلعب فيما بعد إذاعة حلب عند تأسيسها دوراً كبيراً في هذا المجال.
وهناك العديد من الشعراء والموسيقيين السوريين الذين ساروا على نهج الرائد الأول في فن القدود ومنهم عبد الهادي الوفائي 1843- 1909 والذي ألف نحو100 موشح ضاع معظمها والفنان محمد خالد الشلبي 1867- 1929 وله العديد من القدود منها (علموا المحبوب هجري) و(يا باهي الشيم) والفنان أبو الخير الجندي 1876-1939 من قدوده “دار من تهواه” و”كووا الألباب بالميل”.