الجماهير – بيانكا ماضيّة
من نافل القول إنّ الأدب الملتزم هو الأدب الذي يعكس قضايا المجتمع والوطن، ويحمل خطاباً جمالياً وطنياً، لايحيد عن التمسك بأسس تلك الجمالية والتي تكوّن منه أدباً ملتزماً، وصاحبه قائد ثقافي يقود المتلقي نحو مفاهيم تهمّ الوطن، وخاصّة إن كان هذا الوطن يواجه خطراً على وجوده وهويته وحضارته، فلا قيمة لأي أدب غاب عنه الوعي، أو غيّب، لا بل يسقط سقوطاً مدويّاً إن شمله غسل العقول الذي عملت عليه الأدوات العدوانية على الوطن، فتغيب الحقيقة في سطور ذاك الأدب، هذا إن ظلت صفة الأدب ملازمة له، إذ ستظهر جراء هذا الموقف الذي يتخذه صاحبه أوصاف ستجعله على هامش الإبداع والأدب.
ما إن اندلعت الحرب في سورية حتى ظهرت روايات وقصص لم يكن خطابها خطاباً وطنيّاً بقدر ماكان خطاباً أيديولوجيّاً لايمت إلى الواقع بصلة، إذ لم تنقل (تلك الإبداعات) آلام الحرب كما هي وبكل صدق، بل كانت فانتازيا دفع لأصحابها الملايين من أجل صياغة هذا النوع من الأدب الرخيص، ويطالعنا هذا النوع في كتابات الكثير من الكتّاب ممّن قرعوا طبول حربهم على وطنهم بكل صفاقة، يكوّنون من صلصالهم ما لم يقارب الواقع من أحداث مأساوية جرت على طول البلاد وعرضها من قتل ونحر وتخريب وسرقة، فدخلوا في نفق ذلّهم ورقصوا رقصة المنتشين على جثث الشهداء، وكانت رواياتهم وقصصهم شظايا حكايات في قلب الوطن.
وهنا يطرح السؤال الآتي: هل الكتابة الأدبيّة هي خارج الموقف الملتزم من الوطن وقضاياه؟
أية كتابة أدبيّة لاتلتزم بهذه القضايا لايعوّل عليها، وبالتالي يسقط كاتبها مهما أبدع أسلوباً وصياغة، ويكون صاحبها كالقذى في عين الوطن!
بعد الانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري في غير منطقة ومدينة من سورية، راح الكثيرون ممن كان موقفهم واضحاً في بداية الحرب، إذ كتبوا ودبّجوا الكثير من الكتابات التي لم تكن تقارب الواقع بقدر ماهي تصبّ جام غضبها على الدولة السورية، انتقاماً وثأراً، راح هؤلاء يغيّرون من مواقفهم ليقينهم بأن حلمهم لن يتحقق، وفي هذه الأثناء بدؤوا بالتغلغل بين الكتّاب وضمن النشاطات الثقافية التي تحصل على هامش النشاطات الرسمية، وأحياناً يتسللون ويتسولون إشراكهم في هذه النشاطات، إذ غاب عنهم بأن الذاكرة السورية مازالت تحتفظ بألقها، ولم يصبها الخرف أو النسيان.
هؤلاء الذين نهشوا جسد الوطن طيلة الحرب الغاشمة التي عانى منها السوريون، فلم تخل أسرة من أهوال ومصائب هذه الحرب، لن يكون لهم موطئ قدم على المنابر الثقافية مادام هناك ذاكرة حيّة لاتنسى أهوال كتاباتهم وفظائع أقلامهم المأجورة التي لم تكن إلا نصالاً وسيوفاً وقنابل فجرت جسد الوطن.
في النهاية لابد من القول: طوبى للأقلام الأدبيّة الوطنيّة التي حاربت ودافعت عن الوطن غير هيّابة من نحرٍ لرقابها، وغير وجلة من قطع لرؤوسها، لأن تلك الرؤوس هي التي حملت صدق الانتماء والوفاء والضمير والحق، فكان أصحابها حقّاً كتّاباً ترفع لهم القبّعة.