بقلم عبد الخالق قلعه جي
على سطح مكتب أجهزة الكمبيوتر وأجهزة الموبايل ، تقدم لنا متصفحات الإنترنت وتطبيقاتها من الفيسبوك وغيرها ، مقترحات للصداقة ، وصفحات قد تعجبك ، و مقاطع من هنا وهناك ، وذلك حسب المواقع والصفحات والعناوين الأكثر تصفحاً لديك .. تردداً ودخولاً إليها .
متصفحات ذاكرتي وصفحة ( الوورد ) هذه ، أخذتني فيما أخذتني إلى أرشيف الطرب الجميل ، لتأخذني الأيام إلى ذكريات و نعمة النسيان .
صحيح أن النسيان “في بعض لحظات عيشنا والحياة ” نعمة.. إلا أن نعمة أخرى .. تهبها الذكريات .. تلك التي تقبع ركنَ ذاكرة أودعتها ذات يوم .
يرى العلماء والباحثون أن الذاكرة – قصيرة وطويلة المدى – في بعض جوانبها .. نظام معالجة وتحليل ، وأن آلية عملها تتلخص في : عملية التسجيل والتخزين ومن ثم الاسترجاع ، بحيث تسلم كل منها المعلومة من مرحلة إلى التي تليها ، لتقوم بالوظيفة المباشرة أو غير المباشرة المطلوبة أن تؤديها .
اسمحوا لي أن استرجع واحدة من أوراق ذاكرتي الإذاعية في معكم على الهواء ، تعود إلى الشهر الأخير من عام ألفين وثلاثة عشر وما سجلته ذاكرة تلك الأيام .
” بين الحين والآخر تتبدى عناوين يومية ، يتبادل الناس تفاصيلها في لقاءاتهم وأحاديثهم الشفهية أو الهاتفية ..
شلونك وشلون صحتك – اش في ما في .. وإلى آخر ما هنالك ، من أسئلة عن الكهرباء والمياه والأسعار والبنزين والمازوت وزيت الزيتون أيضاً .
لم يغادر صديقي هذه الأسئلة عندما اتصل بي هاتفيا (قال لي بالعامية) في كهربا عندكم ؟؟ قلت له هلق بتجي
بسعادة كبيرة قال لي : لك يا عيني عليك شقدك متفائل ..
قلت له ليه ؟ قال : قبل شوي كنت عبحكي مع صديق آخر وسألتو نفس السؤال فقال لي : هلق بتنقطع … بدي أعرف اشو سر ها لتفاؤل الدائم
قلت له : هو الأمل والمعرفة اليقينية ، التي نتلمسها من ذاكرة التاريخ .. وهو يروي حكاية ذلك الحكيم ، الذي كان شديد الإحساس بآلام الناس , عميق التبصر بالحياة ، والذي حط رحاله ذات يوم تحت شجرة تين عظيمة .. وراح يتأمل السماء في ليلة مقمرة .. حتى بدت أنوار الحقيقة تشرق في نفسه شيئا فشيئا .
إنها الحقيقة .. وقراءة التاريخ المتواري خلف الحجر تقول ذلك .. تقولها أيضا أزقة حلب القديمة ، التي تبدو مغلقة ، وكأنها لن تؤدي إلى فضاء آخر…. لكن عند بلوغ النقطة التي لا يتجاوزها البصر .. ينفتح طريق .. ويبدو درب تتدفق في شرايينه دماء حياة ..خضابها آلاف من السنين ، نسغاً لشجرة مباركة تينا وزيتونا ، يمينا لقسم السماء لغد أجمل إن شاء الله “.
لا يخفى على أحد ، ما أخذته الحرب الآثمة على وطننا ، من أشكال أخرى .. مُحاوِلةً أن تسرق يقينية الانتصار التام ، وتُضيِّق الخناق اقتصادياً ، ليطال كل تفاصيل الحياة اليومية الخدمية والمعيشية ، التي ألهبها برد الشتاء وغياب الكهرباء وارتفاع الأسعار.
يقيناً .. كما كان انتصار ألفين وستة عشر ، الذي نعيش ذكراه الخامسة هذه الأيام ، فإن تفاصيل إتمامه .. آتية لا ريب فيها .. اسألوا الذاكرة قريبةً كانت أم بعيدة .
“هي اللحظة التي تمسك فيها نفسك ، لتحافظ على توازنك ، وأنت تتوكأ على إيمان راسخ ثابت .. بعيداً عن هواجس ونوازع وقلق ، يمكن أن ينسرب إليك .
عبر سماعة الهاتف .. جاءه صوت قريبته مختنقاً .. لم أعد أستطيع أن أتحمل بعدكم أكثر .. ولم أعد أستطيع أن أشتاقكم أكثر ..ترى هل تعود تلك الأيام …؟ قال لها سترجع يوماً .. بل سترجع قريباً إن شاء الله…..هكذا قالها أبناء هذا الوطن الطيب الطاهر … وهكذا كتبها الخالدون شهادةً وارتقاءً …
نعم وإن طالت نوىً .. سترجع تلك الأيام و نأملها أجمل .. سترجع .. هكذا خبرني العندليب مرنماً ..
لي فيك يا وطني عهدٌ أعيش به
عمري ويسرقني من حبه العمرُ
هنا التراباتُ من طيبٍ ومن طرب
وأين في غير شامٍ يطرب الحجرُ .