الجماهير – أسماء خيرو.
هو مثال حي عن الوطنية بقيمها السامية، كان طيلة حديثه يكرر “دافعت عنها حتى آخر نفس وسأظل أدافع عنها إن دعت الحاجة لذلك ، فأنا أؤمن بأن حياتي دونها لاتساوي شيئاً، سأحيا على ترابها الغالي ولن أدفن إلا فيه ، مدينتي لاتشبه المدن، و”كل عام وأنت بألف خير ياحلب “قلتها مع زملائي بصوت رجل واحد حين دخلنا لتحريرها، ومازال صداها العميق يتردد في أرجائها الطاهرة.
إنه جريح الوطن الشاب عمر عبدلله بك” قناص القصر البلدي ” أحد أبطال تحرير مدينة حلب ممن كتب بيده صفحة بيضاء مشرفة في سجل بطولات سطرتها أنامل الجيش العربي السوري..
يقول البطل عمر : أنا ابن هذا الوطن خدمت في الجيش العربي السوري كمساعد أول صف ضباط لمدة /٢١ عاما/ إذ كنت متطوعا فيه ،عاصرت الأزمة السورية بكل تفاصيلها المؤلمة وأحداثها المأساوية .
وفي عام/ ٢٠١٤ / أصبت بإصابات عادية أدت إلى بتر أصابع قدمي اليمنى واليسرى ، ولكني مع ذلك عدت لأخدم في صفوف الجيش العربي السوري خدمة ثابتة متنقلا مابين دمشق وحلب ،وعندما حان الوقت لتحرير مدينة حلب كنت في الصفوف الأمامية مع ٧ آلاف مقاتل ، ولكن شاءت الأقدار في عام /٢٠١٨/ وأثناء تأدية واجبي في الدفاع عن وطني ضد المجموعات الإر*هابية أن تصاب قدمي إصابتين بليغتين مما أدى إلى بترهما حتى منطقة الفخذ ، وبهذا تغيرت حياتي كليا .
الشاب عمر شأنه شأن الكثيرين ممن تسببت لهم الحرب بالعجز الجزئي أو الكلي وأقعدتهم عن تأدية واجبهم، وبالرغم من ذلك لم يستسلموا لعجزهم بل على العكس حطموا صخرة العجز وقهروا الإعاقة بصبرهم وقوة احتمالهم والاستمرار في العمل ..
يقول البطل عمر : بعد أن بترت قدماي وأصبت بعجز جزئي كان لابد لي من أن أتكيف مع حياة جديدة لم أختبرها من قبل فأنا لا أتقن سوى الدفاع عن الوطن، لذلك قررت البدء من جديد ، وبدأت أمارس مهنة الحفر على الخشب وصنعت العديد من النماذج المصغرة للأماكن الأثرية والرموز الدينية المقدسة في مدينة حلب ، وقمت بإهداء مجسم قلعة حلب للسيد الرئيس بشار الأسد ولقد كرمت على عملي هذا.
مبينا بأن الهدف من عمله كان استياءه الشديد من كلمة معاق، إذ إنه لايريد لهذه الكلمة أن يراها تتردد في عيون بناته الست أو حتى يهمس بها المجتمع ، فهو إنسان خدم وضحى لأجل وطنه، والإعاقة لاتقلل من كونه إنسانا مازال قادرا على الإنتاج والعطاء ويملك فكرا مبدعا ويدين ماهرتين ، إذ إنه يصحو مع الفجر ليبيع الخبز ومن ثم يعمل على آلة لبيع القهوة والشاي، وفي المساء يعمل كدلال عقارات، إضافة إلى عمله في صنع المجسمات الأثرية والرموز الدينية، إذ إنه كل ثلاثة أشهر يعمل على إنتاج مشروع خاص به ..
في حديثه يستذكر قول المتنبي ( عش عزيزا أو مت وأنت كريم بين طعن القنا وخفق البنود ) مايشغله بأن يعيش في وطنه عزيزا، وهو لايسعى من وراء إنتاج أعماله إلى الشهرة أو الكسب المادي أو استعطاف القلوب، إنما يهدف إلى أن يقول أنا لست عاجزا أنا أمتلك فكراً وموهبة تحتاج التقدير …
يقول عن مشروعه الأخير الذي وثق فيه حكاية ٤ آلاف شهيد ممن ضحوا بدمائهم الزكية الطاهرة: لقد وثقت سيرة من سار على درب النصر، ومنهم أخي الشهيد عبد القادر بك ، وبالرغم من أن هذا المشروع قد كلفني مبالغ طائلة ولكني لم أهتم، لذلك أردت أن أروي قصص جرحى الوطن ، إنهم أشبه بالنجوم التي تتلألأ في السماء لتهدي من ضل سبيل الوطن، وحري بالمجتمع أن يبني لهم أقواس نصر لا أن يوثق سيرتهم فقط من خلال الصور، وحري بالجهات المعنية أن تهتم أكثر بجرحى الوطن فجميعهم يعانون من صعوبات معيشية وظروف قاسية وخاصة من يعانون من عجز كلي ..
وأكمل البطل عمر وختم حديثه ليصف شعوره حين تحرير حلب إذ قال: عندما دخلنا حلب حينها كانت الأمطار تهطل بغزارة، تقدمنا وبقلب رجل واحد شجاع حررنا المناطق الشرقية من المجموعات الإرها*بية، ورفعنا علم الجمهورية العربية السورية، حينها أحسست وزملائي السبعة آلاف بأن فلسطين تحررت وليس فقط مدينة حلب ، كان شعوراً لايمكن لأي كلمة أن تصفه أشبة بعودة الروح إلى الجسد، لأن حلب هي الروح، وعندما دمرها الإرهاب دمر أرواحنا، ولكن بعون من الله وإيماننا بالوطن وقائده عادت الروح إلينا ، واليوم نحتفل بالذكرى الخامسة للتحرير لا لنذرف الدموع على من استشهد وضحى، بل لنقول لكل غاز وطامع بالوطن نحن السوريين لن نتخلى عن سورية وسنقاتل حتى آخر نفس، وكل عام وحلب وسورية وأبطال الجيش العربي السوري ورئيس الوطن بألف خير .