تقاسيـــم على فنجان قهـــوة

بقلم عبد الخالق قلعه جي

مكتوبة وصلتني رسالته عبر ” الواتس ” مهنئاً بقدومه .. متمنياً عاماً جديداً ملؤه الحب مكللاً بالصحة والعافية والنجاح ..كلمات لم تستطع معها رسالتي أن ترد بأحسن منها .
كيف أنت ؟ سألني … قلت بعد أن اتصلت هاتفياً : ….. ولكن مثلي لا يذاع له سر .
دافئاً عبر سماعة الهاتف .. جاءني صوته ، ودعوة لفنجان قهوة كانت .. والأذن مسرى القلب .. لا تخطئ الود ولا المحبة .
حرارة الدعوة حملتني لتلبيتها بعد يومين .. كنا في مكتبه ، نحن الأربعة ، فنجانان من القهوة .. الأستاذ عبد الحليم وأنا .
طيبة المذاق – حقيقةً – كانت تلك القهوة .. لعل حبات البن ، حملت أيضاً حفاوة صاحبها وكأنها أدركت سر الأرواح وتآلفها .
كلمة .. صارت حديثاً ، اعتصرتْه رشفات .. رسمت دائرة عناوين .. تتصل بالشأن العام وتصاريف الحياة .. قواميس العلاقات والمنظومة القيمية .. ما طرأ عليها وما صارت إليه .
وسائل التواصل كانت حاضرة .. مائدة مفتوحة .. وجبات شهية .. مقبلات ملونة ، ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين .. والوجبة الرئيسية حاضرة بسُمِها ودسمها .. بتوابلها وخلطة بهاراتها .. ونار من تحتها مشتعلة تدعو الآكلين مجانا إليها .
لَعِبٌ على أوتار الرغبات الملونة ، وإدمان .. هدر للوقت.. استلاب لما تبقى من إرادة ، إعادة فرمته بوضعية المصنع للعقل والتفكير ، وسفح للعواطف .. رخيص استمراؤها .
فنجان القهوة لم يزل فيه بقية .. أخَذَنا للحديث تداعياً ، عن التحول المرعب في العلاقات الاجتماعية والأسرية .. وصورة أفراد العائلة التي أضحت مثل صناديق بريد متجاورة لا يعلم أحدها ما في داخل الآخر .
عناوين متصلة تتعلق بكتابتنا عبر ” اللغة الالكترونية الهجينة ” وانتشارها الوَرَمِي .. السمايلات والملصقات .. غياب للشخصية والخصوصية وتعويماً لها.. جديد المصطلحات .. تبدل الأولويات .. تواضع الأهداف..فوضى الأخلاق ، وحمى السباق المحموم .. لانتزاع ” اللايكات ” عبر منشور يلهث صاحبه أن يصبح ترينداً بأي وسيلة وأياً كان الثمن .
كثر هم من أصابتهم عدوى القص واللصق ، ولوثة الفقاعات .. متناسين أن الكلمة – إن استطعتها – أمانة .. كما هي الأمانة عندما نستعير .. نقتبس أو نقتطف كلمة أو مادة أو حتى العنوان ، أن ننسبه لصاحبه .. فذلك بعض من أخلاق .
حق أدبي ومعنوي وإنساني وقيمي ، تفرضه كل المعايير الوجدانية والأخلاقية والاجتماعية والروحية والمهنية ، حفظاً لتلك الحقوق وصوناً لها واحتراماً لبقية باقية مما نَحِنُّ إليه .
بعض مما يراد ليافعينا والشباب .. أن نفقد احترام القدوة والرمز، والشخصيات ذات الأثر في الفكر والفن والثقافة .. وسائر أوجه الحياة ، والتي بتنا نخشى معها الفراغ في حلقات السلسلة بينها وبين المتشابه الآن .. في معظم ما هو ، ومن هو موجود .
تقاسيم الحديث عزفت أمثلة في حلب لحالات خلدت ، وأسماء يشار لها بالبنان .. قصص التكوين .. بناء النفس وسلالم الوصول إلى الثقة والتواضع ، ومعرفة قيمة القيمة واحترام الذات ، وصولاً إلى احترام الآخرين .
هبة من الله .. تأتي التركيبة الذاتية أولاً ، لتلعب الدور الأبرز في بناء هذه الشخصية .. تربية النفس وتهذيبها والارتقاء بها والمضي في رحلة اقرأ والواجب والعطاء .. خياراً بكل الرضا والمحبة والوفاء .
من قال بخليفة لكوكب الشرق ؟! ومن قال بخليفة للكبير صباح فخري ؟! ومن قال ومن قال ؟ فراغ يقوله الجواب .. إن ما من أحد يستطيع أن يخلف أؤلئك ..لا بحكم البيولوجيا ولا الاستمرار وإن أزمنة غير قصيرة ستمر قبل أن تأتي بمثل هؤلاء
في صفحته على الفيسبوك كتب شاعر حلب الغنائي الكبير صفوح شغالة تحت عنوان ليوناردو دافنشي ..
” الموناليزا قلدوها كتير بس بقيت بتوقيع ليوناردو دافنشي ” .
واتس وفنجان قهوة .. حتى الثمالة ارتشفناه ، هوىً وعشقاً تهادى في صروح الحب ، حديثاً – حلبي معدنه – لكن جرت في لفظه لغة السماء .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار