الجماهير – بيانكا ماضيّة
في مثل هذا اليوم من عام 2015 أي في 8/ 1 كان يوم عصيباً وصعباً جداً على أهالي بلدتي نبل والزهراء المحاصرتين، إذ كاد المسلحون أن يدخلوهما لولا صمود أهلهما ومقاومتهم، انطلق هؤلاء المسلحون من بلدة بيانون ومن قرية الشيخ عقيل باتجاه الزهراء، ومن قرية ماير باتجاه نبل غير أن هناك غير دبابة استطاعت الدخول من الجهة الجنوبية الغربية للزهراء، فما كان من أهالي البلدة إلا التصدي للدبابات بالبنادق، علماً بأنه لم يكن هناك مايكفي من القاذفات المضادة للدروع بيد من صمم على الدفاع عن البلدة..نزح جميع الأطفال والنساء من الجهة الجنوبية الغربية للبلدة نحو الوسط…وبقي شبان البلدة ينتظرون وصول المسلحين، وقد عملوا على إفشال هجومهم بفضل صمود الأهالي ودماء الشهداء، فتمت السيطرة على الدبابات المشاركة وقتل وأسر كل من فيها، وفر الباقون تاركين خلفهم الدبابات وقتلاهم، وأصبح لدى البلدتين سلاح جديد يقاتلون به، وهو الدبابات.
ولم يكن أكثر المتفائلين في نبّل والزهراء يتوقع هذه النتيجة الساحرة لأداء المدافعين عنها. فخلال ساعتين من المعركة وقع ما أراده العقل المدبر لخطط الدفاع، فمسلّحو النصر*ة تقدموا نحو الكمائن وشبكات النار المنصوبة بعناية, كتقدم الفراش نحو النار القاتلة, لتحصدهم النيران المتقاطعة .
التفاصيل كما رواها أحد القادة الميدانيين تفيد بأن ثلاث دبابات, ومثلها من ناقلات الجند, تقدّمت من جهة ماير باتجاه مدخل نبل الشرقي بغطاء ناري كثيف, وأمطرت المواقع الدفاعية المفترضة “كنا نتوقع أن تكون إحداها مفخخة لإحداث حالة صدمة، تركناهم يتقدمون مسافة ٥٠٠ متر بعد الأوتوستراد, وبات دوار الرئيس في مرمى نيرانهم” ويضيف القائد “تقدم عشرات الانغماسيين وراء الرتلين المهاجمين, وعند وصولهم إلى محلات الحدادة المعروفة بمحلات علي فرج أمطرناهم بنيران لا فكاك منها ، صليات الرصاص والقذائف المضادة للدروع جعلتهم كالعصف المأكول ” .
ويتابع “بعد أن تأكد لنا فشل الهجوم من الناحية الغربية اندفعنا باتجاه الأوتوستراد لتطهير المنطقة، حيث حوصرت مجموعة داخل المحلات, استنزفنا ذخيرتها, وتمكنّا من أسر اثنين منهم وقتل خمسة” .
بالتزامن مع ذلك كانت قوة أخرى من جبهة النصر*ة تندفع من محور الطامورة باتجاه الزهراء مستغلة وعورة المنطقة، لكن الكمائن في تلك المنطقة كانت من الإتقان بحيث وصلت المواجهة إلى السلاح الأبيض, فعدد من مقاتلينا الاستشهاديين اندفع نحو الدبابات لاعتلاء أبراجها والسيطرة عليها سليمة.
المقاتل الذي تطوع للدفاع بعد شهور من تسريحه نتيجة الإصابة أكد أن خمس دبابات وناقلة جند وقعت بقبضة مقاتلي اللجان الشعبية, اثنتان فقط فرّ طاقمهما منهما, والبقية قتلوا برصاص الاستشهاديين وحرابهم.
المفاجأة التي يرويها القائد كانت هروب أحد طواقم الدبابات واختباؤه تحتها, ما أخّر اكتشاف أمره لصباح اليوم التالي, إذ لم يقم المقاتلون بسحبها جميعاً ليلة الخميس .
مجموعة مكونة من خمسة عناصر من الأتراك والمصريين وقعوا في قبضة الأهالي, بعد أن ضلّوا الطريق ليلاً عقب انكسار الهجوم, إذ اتجهوا غرباً نحو الحي الغربي من نبّل فتمّ أسرهم .
ويعدّ قائد ميداني آخر أن “التضليل الذي اتبعته النصر*ة هذه المرة كان بإيهامنا أن الهجوم الأقوى سيكون من جهة جمعية الجود, التي عدلنا كثيراً في خطوط الدفاع فيها, لتفادي نجاح أي اختراق بعمليات انتحارية باستخدام المدرعات، ولكن الهجوم الأعنف كان من مدخل نبّل الشرقي ومن الطامورة”.
يروي حسين وهو مقاتل متمرّس شارك في جميع معارك نبل والزهراء “الكمين كان في بساتين الزيتون جنوب شرقي القرية, أصبحنا خلف خطوط العدو المتقدمة, وتمكنا من قتل جميع عناصر المشاة المرافقين لدبابة من طراز تي ٥٥, وكانت فرصتي أن أعتلي البرج وأفتحه بعد توقف سائقها للرمي من حالة الثبات, وهذا ما كان، رميت قنبلة أجهزت عليهم جميعاً” .
ومع حلول الظلام كان مقاتلو نبّل والزهراء قد قادوا أول دبابة اغتنموها باتجاه ساحة البلدة, التي كانت قنوات عربية مشهورة تعلن أن مقاتلي النصر*ة رفعوا علمهم وسطها.
وفي حصيلة المواجهة التي انتهت قبل الثامنة ليلاً سيطر المدافعون عن نبّل والزهراء على خمس دبابات, ودمروا سادسة، وعلى عربة بي إم بي, كما دمروا اثنتين وأسروا سبعة مسلحين على الأقل، وقتلوا أكثر من أربعين, بقيت جثث ثلاثة عشر منهم في أرض المعركة, إذ سحبت إلى داخل نبل .
كما تبين أن كثيراً من القتلى كانوا من الانغماسيين المجهزين بأحزمة ناسفة, لكنهم ورغم إصاباتهم بالرصاص لم يتجرؤوا على تفجير أنفسهم, وظلوا ينزفون في ساحة المعركة حتى الموت.
في المقابل يؤكد القائد الميداني أن خسائر اللجان الشعبية كانت أحد عشر شهيداً في اليوم الأول, ولحق بهم شهيد واحد في اليوم التالي, متأثراً بإصابته الشديدة .
والشهداء هم: محمد رامز إبراهيم، علي جمعة هلال حمادة، هيثم حمزة حمزة، عبد الهادي محمد حمادة، راقي محمد علي حمزة، زهير سليمان عمر، علي أحمد البابا، جعفر محمد علولو ، عمر محمد علولو، يحيى إبراهيم زم، حسن يحيى الأسود، علي حسن محي الدين.
رحم الله هؤلاء الشهداء، ورحم أرواح شهداء سورية جميعهم.