عبد الله حجار
نعت إلينا الأنباء رحيل الصديق الحميم ورفيق درب العاديات وصاحب مجلّة الضاد الأستاذ الأديب رياض حلاّق عن هذه الحياة الفانية صباح الثلاثاء 28كانون الأول 2021، إثر سكتة قلبية أصابته في منزله في بيروت. رحمه الله وأسكنه معه في الفردوس، وألهم الصبر زوجته وولده عبد الله وابنته رلى وعائلتيهما وإخوته وعائلاتهم والأحباب والأصدقاء الكثيرين في حلب وسورية والوطن العربي وبلاد المهجر.
ولد رياض بتاريخ 24/12/1940 في حلب، ودرس في مدارسها ونال إجازة الحقوق من جامعة حلب ومارس تدريس اللغة العربية وكان موجّهاً في مدرسة القديس نيقولاوس (التعاون). ودرّبه والده الأديب عبد الله يوركي حلاّق على الكتابة الأدبية وقرض الشعر بمساعدة شاعر حلب ومجنون ليلى فيها الشاعر الموهوب شارل خوري، وكان الساعد الأيمن لوالده في إدارة مجلّة الضاد التي أسسها والده عام 1931 وأسند رئاسة تحريرها لولده رياض بدءاً من عام 1962. وتابع رياض إصدار المجلة بعد رحيل والده عام 1996 وتحمّل جميع أعباء الإدارة والتحري، الى أن توقفت عن الصدور بعد صعوبات الإصدار في السنوات العشر الماضية وذلك بعد تسعين عاماً على صدورها. توقف اصدار المجلّة مع بداية عام 2021 وتوقّف قلب رئيس تحريرها رياض قبل انتهاء العام نفسه، وكأن روحه ارتبطت بمحبة مجلّة الضاد وغابت عن الوجود معها.
كان الصديق رياض ابن حلب البار، لم يترك مجالاً أدبياً أو اجتماعياً أو ثقافياً أو خيرياً إلّا وكانت له فيه يد طولى. كان عضواً في جمعية العاديات منذ العام 1962، شغل مرات عديدة عضوية مجلس إدارتها وأمانة سرّها بين الأعوام (1991 – 2005) وقاد العديد من رحلاتها، كما كان عضواً في مشاريع “الكلمة” الخيرية ورئيس تحرير مجلّة “الكلمة” وعضواً في اتحاد الصحفيين وجمعية الجغرافيين العرب. انتخب عضواً في مجلس محافظة حلب لدورتين متتاليتين 1991 و 1995. وكان من هواة جمع النقود المعدنية السورية.
تسنّى له زيارة العديد من دول العالم كالصين والبلاد الأوروبية وروسيا وأرمينيا وقبرص وكندا والولايات المتّحدة الأمريكية وفنزويلا وموريتانيا والبوسنة ولندن ومعظم الدول العربية للمشاركة في مؤتمرات أدبية وفكرية وإلقاء المحاضرات والقصائد الشعرية فيها. كما قدّم العديد من المحاضرات الأدبية على منابر حلب الثقافية والمدن السورية.
كرّمته وزارة الثقافة السورية في 10 حزيران 2010 على مستوى عربي ومهجري. منح وسام الصليب المقدّس قلّده إياه غبطة بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس لحّام في احتفال بحلب بتاريخ 17 كانون الأول 2010 ، كما حصل على المرتبة الأولى في جائزة عكاظ الشعرية العام 2009 ، ونال عام 2011 جائزة الباسل التي يمنحها مجلس مدينة حلب للمبدعين في الدراسات الفكرية.
له الكتب والمؤلفات التالية:
– دراسة في أدب الدكتورة سعاد الصبّاح (1994)
– من نوادر الضاد (1995)
– رحلة العمر في أدب الرحلات (2006)
– سامي الشوّا أمير الكمان (2006)
– من ثمار الضاد في رحلة العمر(2007) (75 عاما على تأسيس الضاد)
– عبد الله يوركي حلاّق في معابر الذكرى والوفاء(2007)
– من حصاد السنين “ديوان شعر” (2009)
– وجوه عرفتُها(2010)
– حصاد الذكريات “الأعمال الشعرية الكاملة” (2014)
– وجوه عرفتُها “جزء 2” (2016)
– من نوادر الضاد وأمثالها وحكمها(2019)
وله قيد الإعداد للطباعة: ” قطاف نصف قرن ورحلة العمر(جزء 2)” و “من مشاهير أعلام حلب”.
مع الذكريات:
تعود معرفتي بالأستاذ رياض إلى الربع الأخير من القرن العشرين حيث عرفته زميلاً نشيطاً في جمعية العاديات في مجال تنظيم الرحلات الخارجية الى القطر المصري ولبنان الشقيق وقد شاركتُ في بعض منها مع عائلتي. كما كنتُ أراه أحياناً في منزل والده الأستاذ عبد الله، حيث كان يدعوني والده لإصلاح المقالة التي سينشرها لي في مجلّة الضاد قبل طباعتها. وعُرف الأستاذ رياض، مثل والده، بروحه المرحة ومحبته للرحلات والسهرات اللطيفة وعلاقاته الحميمة مع أدباء سورية والوطن العربي والمهجر الذين كانت مجلّة الضاد، منذ تأسيسها أيام والده، ميداناً فسيحاً لكتاباتهم ونتاجهم، وكانت عروة محبة وجسر حنين بين المهاجر والوطن. يوم رحيل والده العام 1996 كتبتُ أن خير عمل قام به والده هو تكريس ولده رياض لقيادة سفينة المجلّة بعد غياب قبطانها متحمّلاً أعباء الرسالة بكلّ همّة ونشاط ، وهو ، مثل أبيه المؤسس، أديب وشاعر استمرّت المجلة بالصدور خمسة وعشرين عاماً بعد وفاة الوالد الغالي، وعلى الوتيرة نفسها من حبّ صادق للوطن العربي وسورية واللغة العربية التي تجمعنا وآمالنا المشتركة في الوحدة والانفتاح على الجميع، إلى أن توقّفت عن الصدور في أول العام 2021، وتوقف نبض قلب صاحبها الأستاذ رياض قبل نهاية العام نفسه رحمه الله.
لدي أعداد مجلة الضاد مجلدة سنوياً منذ العام 1975 وحتى العام 2012 كتبتُ خلالها فيها أكثر من 70 مقالة حول مواضيع تاريخية وأثرية ومحاضرات وكتب علمية صدرت أو ندوات جرت. وفي السنوات الأخيرة وبسبب صعوبات التواصل والتمويل بدأت المجلّة تصدر بشكل فصلي (مرة كل شهرين أو ثلاثة أشهر). وبسبب المعاناة في حلب وسكن الطابق الخامس وندرة الكهرباء أقام الأستاذ رياض في لبنان في السنوات الثماني الأخيرة، حضر فيها إلى حلب ثلاث مرات كان آخرها العام 2019 إذ بقي فيها حوالي الشهرين. وعلى ضوء الأحداث الاقتصادية والأمنية الأخيرة المتردية في لبنان قرّر تمضية شتاء العام 2021 في بيروت والعودة نهائياً إلى حلب في الربيع القادم. ويفاجئه هادم اللذات مع فنجان القهوة صباح 28 كانون الأول 2021 ليُنقل جثمانه الى حلب، كي يصلّى عليه في كاتدرائية العذراء للروم الكاثوليك في ساحة فرحات بحضور جمهور غفير من محبيه في مقدّمتهم المطارنة ورؤساء الطوائف الأجلّاء والجمعيات الثقافية والخيرية، ثم لينقل جثمانه إلى مدفن العائلة في مقبرة الطائفة مودَّعاّ من الأحباء والأصدقاء المقربّين، وصوت الكاهن المرافق يذكّر الجميع بأننا تراب وإلى التراب نعود.
رحمك الله أيها الصديق رياض. استراحت رفاتك، كما أردتَ، في تربة حلب التي طالما أحببت وعشقت وأنشدت شعراً ونثراً في أفراح وأتراح أحبابك وأصدقائك. فلتسترح روحك بسلام، وذكر الطيبين يدوم إلى الأبد .