لعبة الذكاء

الجماهير || أنطوان بصمه جي

بعد تجارب متلاحقة لضبط آلية توزيع الخبز التي تكاد لا تنتهي، ومع كل قرار جديد يتعلق بذلك ، النتيجة تكون إرباك المشهد لدى المواطن للقيام بعمليات حفظ الأيام وأعداد الأشخاص وتوطين البطاقة في مخبز أو معتمد محدد تستوجب البت النهائي لما يتعلق بآليات عمل البطاقة “الذكية”.
المقصود من المقدمة بداية الخوض في تجربة شخصية، فبعد أيام قليلة على دخولنا العام الجديد، أخذت بطاقة عائلتي المؤلفة من شخصين وكذلك أيضاً بطاقة أختي التي تحمل نفس عدد الأشخاص، وتوجهت لفرن الميدان الآلي يوم الأربعاء الماضي لاستلام مخصصات البطاقتين من مادة الخبز “المدعوم” وبعد أكثر من نصف ساعة على انتظار الدور لاستلام 4 ربطات من الخبز أتفاجأ بأن عامل قطع البطاقة وتسليم المخصصات سلمني ربطتين فقط، وأجابني على الفور بعد تبيان علامة الدهشة على وجهي، البطاقة الثانية “ما فيها” تجادلت معه قليلاً لمعرفة سبب عدم تسليمه لي الكمية كاملة_ أي 4 ربطات_ كي لا أستهلك وقت المواطنين ليجيب “هيك الجهاز فرجاني”.
إذاً ما العمل، علينا أن نقوم بعملية “محاصصة” الكمية المستلمة على أربعة أشخاص، وللعلم فإن اليوم الثاني الخميس ووفقاً للقرار الجديد لا يمكن أن نحصل على الخبز ويليه الجمعة يوم عطلة لكل الأفران، وهنا انتابني شعور بوجود “لعبة” دون قواعد مكتوبة تلعبها الأطراف المتعلقة بإصدار البطاقة وتسليم المخصصات، ومن المعروف أنه في تلك الحالة _أقصد هنا الجوع حرفياً_ تُستبعد القيم فيه من الاعتبار.
وبعد انتهاء العطلة الرسمية للأفران، توجهت في محاولة ثانية لاستلام مخصصات الخبز لكن باءت بالفشل ذاته كما في المرة الأولى، أمر وحيد أمامي وهو مراجعة مركز تكامل الكائن في مديرية الزراعة بالميدان، وهنا تلقيت المصيبة الأكبر التي جاءت على لسان الموظفة “البطاقة تالفة”، وأنا في حيرة في نفسي ولسان حالي يتحدث كيف للبطاقة أن تتعرض للتلف وهي التي اقترن اسمها بالذكاء؟ كيف تتعرض للتلف وهي مرتبطة بالمركز الرئيس في العاصمة؟ العديد من الأسئلة والاستفسارات تنتظر أجوبة مؤكدة لكنها لم تأت.
وبعد عودتي خائباً وأنا أتلمس البطاقة رأيت الرقم الرباعي المُدرج خلف البطاقة، يبدو أن الحل بات قريباً، أجريت اتصالاً على الرقم لترد موظفة وبكل احترام تسألني عن معضلتي وأنا في حيرة لأن أبدي لها تخوفي مع عائلتي للإصابة بالجوع، البطاقة فعالة وتوجد فيها معلومات تفيد بوجود شخص واحد مسجل في طياتها، إذاً أين ذهب الاسم الآخر الذي يحمل اسم ابن أختي أبراهام ذي الأعوام العشرة، وتساءلت عن سبب شطب اسمه من البطاقة الذكية ليأتي الرد بأن العائلة مسجلة وحصلت على البطاقة دون أن تسجل الموظفة رقم دفتر العائلة عند إصدارها لأول مرة، إذاً عليك الذهاب لإصدار بيان عائلي وتثبيته في سجلات مركز تكامل بحلب وتعود البطاقة للعمل مجدداً وتستطيع استلام كامل مخصصاتك من الخبز.
رغم أنه كان من المفترض أن تسهل البطاقة آلية توزيع المخصصات العديدة التي تحتويها، معضلة وحيدة اقتضت البحث والاستماع للعديد من التفسيرات المجهولة وغير المقنعة، ناهيك عن الجري والتنقل والوقوف في طوابير إضافية بين ضفاف الدوائر الرسمية لاكتشاف سبب توقف البطاقة، تلك المعضلة كانت كفيلة للوصول إلى نتيجة مؤكدة أننا نلعب لعبة أعظم من أنفسنا ونوسع قواعدها على مدار الأيام بل ونخترع لها قواعد جديدة وذلك تبعاً للحاجة، ليكون السر انخراط الناس في اللعبة التي تحتاج إلى التبسيط في كل شيء.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار