بقلم حميدي هلال
في الفترة الأخيرة أخذ زملائي في التحرير يستفزونني بمضمون كتاباتهم الصحفية ضمن علاقة العمل فيما بيننا ، من خلال تصعيد وتيرة النقد اللاذع للأداء الحكومي .
كنت في كل مراجعة لمادة صحفية كثيرة الدسم تصب في هذا الاتجاه وباللاشعور، ” أكز ” بأسناني الأمامية على القلم ، حتى لو كنت أقرأ المادة على الكمبيوتر ، ومع مرور الوقت أصبح ” الكز” عادة سيئة لدي، نتج عنها تخلخل في أسناني الأمامية ، حتى تداعى إحداها للسقوط وأخذ يتحرك أثناء الكلام ، مع أنني قليل الكلام – اسألوا أم العيال – وأثناء الطعام يبدأ بالرفس كالجنين في بطن أمه، حتى أصبح يشكل مصدر خطر على جيرانه .
والحقيقة الدخول من بوابة طبيب الأسنان ليست بالأمر السهل ، و” الفوته ليست مثل الطلعة ” .
أردت جس نبض اتحاد الصحفيين حول الموضوع ، كوني من منتسبيه ، والقلم هو المتسبب بضرر السن ، وطمعت أن تُحتسب ” واقعة السن ” كإصابة عمل وتعويضي بمبلغ مجز ..؟
– بالمختصر نعطيك السقف المخصص ، من عشرين إلى خمس وعشرين ألف ليرة ، هذا رد الاتحاد .
قلت في نفسي أستثمر الموضوع بابتسامة قبل أن أُحرم منها عند قلع السن الذي بات ضرورة ملحة .
ذهبت سراعاً إلى عيادات مشفى الرازي، وبعد أن فتحت فمي، أخبروني أنه ليس من اختصاصهم القلع ، وتجنباً ” للتقليع ” تم قلعه مجاملة لي :
– يلزمك السن عمووو ..؟؟ قالت لي الطبيبة في عمر العشرينات .
– قلت : أخاف ألا يسمحوا لي بترميم الواجهة إلا بالسن الأصلية كونها مثل أحجار حلب القديمة.
ابتسمت الطبيبة ورمته في سلة المهملات، فهمت أنه يجوز ترميم الواجهة بغير الحجر القديم! .
بدأتُ رحلة العمل باتجاه إعادة تأهيل أو كما يسمونها جماعة الإدارة المحلية ” إعادة إعمار ” الابتسامة ، فكانت البداية ضمن محيط البحث عن مطارح بأجور رمزية .
تواصلت مع أحد الأطباء المتعاقدين مع شركة التأمين التي أحتمي بمظلتها ” B A ” اختصاراً لعبارة ” الخدمات الأفضل “..!!
وبالاتصال مع الشركة تبين أن خدمة طبابة الأسنان غير مشمولة في المظلة التأمينية كونها بحسب “فهمهم القاصر ” أي طبابة الأسنان موضوع “تجميلي ” ..ربما فهموا أنني سلمى المصري أو سيرين عبد النور .
أردت أن أبتسم لكن حالتي بعد قلع السن لم تسمح لي بذلك.
– هات يا دكتور كم تكلف الشغلة .؟؟ قال : ” افتاح تمك ” : معالجة اللثة مع تركيب جسر وبعض الحباشات والصيانة والتشطيب تصل إلى 250 ألف ليرة وفترة ضمان عشرين سنة.
أغلقت فمي على عجل ، حتى كدت أن أعض على إصبع الطبيب، و بلعت ابتسامتي وودعت الطبيب على أمل اللقاء ، وانصرفت مطرقاً أبحث عن بديل ..
طرقت باب العيادات العمالية ، عيادات شاملة بكل معنى الكلمة ، وتجهيزات راقية ، وترحاب جميل ، لكن بعد أن فتحت فمي، تبين في التكلفة أنها لا تقل عن المبلغ التقديري أعلاه ..
لم يتبق لي سوى مشفى طب الأسنان الجامعي، هناك يستقبلك الطلبة عند الباب الرئيسي استقبال الفاتح، وأحيانا يعاملونك مثل معاملة ” وشيشة الكراجات ” كل واحد يشدك نحوه، والكلمة المفتاحية ” افتاح تمك عمووو ” ، وبالنتيجة شغل مكلف بقليل ولكنه بدون ” ضمانة ” .
المبلغ على قلته ضاقت بي سبل تدبيره، إذ ماذا يعني تكلفة ترميم سن 250 ألف ليرة..؟؟ يعني لمن أراد ترميم كامل للأسنان أن يدفع 9 ملايين ليرة بالسعر الرائج..!!
ولما بلغ بي اليأس أشارت أم العيال الى علبة من تنك على شكل مطمورة، أن افتحها، ولا تفتح فمك لأحد.. خذها ولا تخف، وبلا فوائد، والتسديد بالتقسيط المريح، أهون عليك من طلب قرض من الوظيفة أو يستغلك أحد البنوك بشروطه المجحفة.
حييت شهامتها لكن شهامتي منعتني من التجاوز على مال النساء، فهو أقرب إلى مال اليتيم..
بقي امامي فرصة أخيرة في البحث عن ممول أو شركة تجارية ” سبنسر “، مقابل أن أكتب على واجهة أسناني” برعاية الشركة الفلانية، أو تقدمة فلان “.
وتثبحون على خير إلى أن أثتعيد ابتثامتي.. !!