بقلم: الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
لكلِّ مجتمعٍ سماته وخصائصه التي تميّزه عن غيره من المجتمعات، وتمثِّل هذه السمات والخصائص الخط العام الذي يسيرُ عليه جلّ أفراد المجتمع، فمثلاً في مجتمعنا الشرقي تظهر بوضوحٍ سمة الالتزام بمبادئ الأخلاق العامة كالمروءة والشهامة والنخوة والشجاعة والكرم والوفاء…
ويوجد في كلِّ مجتمعٍ أفراداً رسموا لأنفسهم نهجاً خاصاً يحلقون من خلاله خارج السرب، فإن كان ذاك النهج أرقى مما عليه المجتمع فهم استثناء، وإن كان ذاك النهج دون مستوى ما عليه المجتمع فهم الشواذ، فأولئك وهؤلاء يمثّلون المقولة (لكلِّ قاعدةٍ استثناءاتها وشواذها).
وقد ظهرت في بعض زوايا مجتمعاتنا العربية فئاتٌ من الناس قد رسموا منهجاً في حياتهم يسيرون عليه، يخالف تماماً أخلاق مجتمعنا ومبادئه؛ بل وعاداته وتقاليده، فكانوا شواذاً، ومن هذه المناهج منهج عدم الاكتراث أو اللا مبالاة فنجد أولئك الأشخاص في كلِّ موقفٍ يسألون أنفسهم: ما علاقتي بالأمر؟ وماذا سأستفيد؟ وقد جعلوا من ذلك السؤال منطلقاً لكلّ تصرفاتهم في هذه الحياة، وما ذلك إلا ليمنعوا أنفسهم عن المشاركة في المسائل العامة .
ويمثِّل هذا النهج قمّة اللامبالاة والانطوائية التي تُذيب جوهر الإنسان، والتي تصبح في حالاتها المتقدّمة مرضاً نفسياً يحتاج إلى علاج، إذ يُغرقُ صاحبه في السلبية المُطبقة، ويبتعدُ بنفسه عن الناس وعن مشاركتهم الشأن العام أو حتى الخاص من أفراحٍ وأحزان وغير ذلك.
وهذا النهج ( اللا مبالاة ) علاوة على كونه يخالف الفطرة الإنسانية فإنه يخالف أيضاً التعاليم السماوية وأصول اللباقة الاجتماعية، وقد ورد في الحديث النبوي الشريف قوله صلى الله عليه وسلّم (من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) رواه الطبراني والبيهقي في الشعب وغيرهما. وفيه ترغّيب واضح من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالانخراط في المجتمع والسؤال عن أحوال الناس ومشاركتهم ما يهمهم، وينهى على الذين لا يهتمون لأمر المسلمين.
وقد قَسَّم أحد الحكماء الناس في فعل الخير إلى أربعة أقسام: منهم من يفعله ابتداء، ومنهم من يفعله اقتداء، ومنهم من يتركه حرماناً، ومنهم من يتركه استحساناً، فمن فعله ابتداء فهو كريم، ومن فعله اقتداء فهو حكيم، ومن تركه حرماناً فهو شقي، ومن تركه استحسانا فهو دني. وغالباً ما يحملُ اللا مبالي معظم خصائص الدناءة.
على أني توصّلتُ إلى نتيجةٍ مفادها أن تلك اللا مبالاة تُصبحُ أمراً مقبولاً – على ما بها من سوء ودناءة- مقابل اللا مبالاة السلبية القذرة التي تتحوّل من عدم الاهتمام بالمجتمع إلى الاهتمام بما هو ضار ومؤذٍ له، بحيثُ تُضربُ بعرض الحائط كل القيم الإنسانية والأعراف البشرية.
وقد يصل من يحمل تلك اللامبالاة السلبية إلى موقع إدارة العمل الخدمي والمجتمعي فيُصبح المجتمع حينها بأفراده ومؤسساته في قاع الهاوية.
اللهمّ احفظ وطننا، وأعد الأمان والطمأنينة لشعبنا، وانصرنا على الأعداء، وادفع بمسيرة الاصلاح إلى الأمام، يا أكرم من سُئل فأجاب.